آراء

وظائف البرلمان في ظل الأنظمة الديمقراطية الغربية

البرلمان جمعية تشريعية أو تداولية، وأول فكرة للبرلمان ظهرت للوجود، انصبت على مكان لمناقشة قضايا قانونية وسياسية. كما أن كلمة برلمان مستمدة من فعل “تكلم” (parler). وفي الممارسة فإن المناقشة لا تمثل إلا إحدى وظائف البرلمان من جهة ثانية، ترتبط فكرة البرلمان بتاريخ الدول الغربية وبمسألة البث في مالية الدولة، حيث كان أمراء وملوك القرون الوسطى يركزون على دعم البرلمان ومساندته لفرض الضرائب.

كما شكل البرلمان وسيلة لتقييد سلطات الملكيات المطلقة وإضعافها مثلما ما حدث في بريطانيا منذ 1215 إلى 1689، وكذلك في فرنسا، أنه كان يتكون من غرفتين حيث تولد في بريطانيا (مجلس العموم – مجلس اللوردات) وانتشر في باقي دول العالم.

هناك نوعان من تلك الوظائف، الأول عام تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها في صنع السياسات العامة وخطط التنمية، والثاني فني، وهو ما يعرف بالدور التشريعي والرقابي، الذي تقوم به في مواجهة السلطة التنفيذية وفيما يلي نبذة عن كل هذه الوظائف:

– الوظيفة التشريعية:

تعتبر وظيفة التشريع أبرز ما يقوم به البرلمان، بالرغم أن المبادرة باقتراح القوانين وصياغتها في هيئة مشروعات تأتي غالبا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفي دور البرلمان في مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها وكذلك اقتراح قوانين جديدة. و القانون تعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته، التي يجسدها المشرع في صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم، فالتشريع يأتي بعد وضع الأولويات السياسية وتحديد ملامح السياسات العامة ومن هنا، يمكن التحدث عن سياسة تشريعية، والذي يعبر عنها هو منظومة القواعد والقوانين الموضوعة وكيفية وضعها وطريقة إنفاذها.

ومن المهم أيضا، معرفة نطاق الوظيفة التشريعية التي يمارسها البرلمان في إصدار القوانين، فالقاعدة العامة أن الإطار القانوني له مكونات عديدة على رأسها الدستور، ثم القوانين التنظيمية والعادية واللوائح التنفيذية، والقرارات الوزارية والتعليمات الإدارية، بالإضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي توقع عليها الدولة.

فبالنسبة للدستور، فمرجعه الأصلي هو الشعب، لأن الدستور أعلى مرتبة من القوانين وهو الذي يعبر عن القيم الأساسية للمجتمع وطبيعة نظام الحكم ككل، وبالتالي لا بد أن يكون للشعب الرأي المباشر فيه، أما دور البرلمان فيتمثل في مناقشة تعديل الدستور قبل عرضه على الشعب في استفتاء عام.

وبالنسبة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فإن السلطة التنفيذية هي التي توقع عليها،لأنها المتحدث باسم الدولة أمام العالم الخارجي، ويكون دور البرلمان هو الموافقة على تلك الاتفاقيات والمعاهدات قبل التوقيع عليها نهائيا، أو التصديق عليها بعد التوقيع فعلا. وسلطة تصديق البرلمان على المعاهدات تجعله فاعلا مؤثرا في رسم حدود النشاط الدبلوماسي للحكومة أي لعلاقة الدولة أو موارد المجتمع،

الوظيفة الرقابـــــــيــــــــة:

الرقابة السياسية هي ما يعرف بالرقابة البرلمانية حيث يمكن تعريفها بأنها رقابة البرلمان للسلطة التنفيذية من ناحية أداءها للاختصاصات المخولة لها في الدستور.

كما عرفت الرقابة البرلمانية بأنها تلك الرقابة التي تمارس بواسطة المجالس النيابية على أعمال السلطة التنفيذية في ظل النظام البرلماني.

وهناك ثلاث صور أساسية للرقابة، يكمل بعضها البعض حتى تستقر الديمقراطية ويتحقق التوازن بين السلطات وكذا الإرادة الشعبية للمواطنين.

الأولى رقابة من البرلمان للحكومة والثانية من الحكومة على البرلمان، والثالثة من الرأي العام على البرلمان.

أما النوع الأول من الرقابة، فهي يمارسها البرلمان على الحكومة، وتعتبر تلك الرقابة البرلمانية من أقدم وظائف البرلمان تاريخيا، وأشهرها سياسيا، حيث هو المسؤول عن متابعة وتقييم أعمال البرلمان.

ولكن عملية رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية لا تتم بدون توازن في القوة السياسية بينهما، حتى لا تنقلب سيطرة، وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة تماما للبرلمان، وبالتالي ينهار تماما مبدأ الفصل بين السلط، الذي هو أساس الحكومات الديمقراطية وشرط الاستقرار السياسي، ولهذا فإن عملية الرقابة تكون متبادلة ومتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ومن ناحية ثانية، فكما أن البرلمان يمارس وظيفة رقابية على الحكومة، فإنه يخضع في الوقت نفسه لنوع من رقابة الحكومة عليه أيضا. فإذا كان أعضاء البرلمان يستطيعون اتهام الوزراء وسحب الثقة من الحكومة إذا تبث الاتهام عليها، فإن الحكومة قد تلجأ إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة للبرلمان، تسمى انتخابات مبكرة، فإذا اختار الناخبون نفس أعضاء البرلمان تقريبا كان معنى هذا أنهم يؤيدون البرلمان ضد الحكومة، فيجب على الحكومة أن تستقيل، أما إذا انتخبت برلمانا مختلفا، فمعنى هذا أنهم يؤيدون موقف الحكومة، فتستمر في العمل.

وهناك صورة ثالثة للرقابة، وهي التي يمارسها الرأي العام على البرلمان ذاته، وقد تكون تلك الرقابة اجتماعية على البرلمان موسمية أو تكون دائمة.

فالأولى تتم عند تشكيل البرلمان، وتتمثل في موقف الناخبين تجاه أعضاء البرلمان وقت الانتخابات حيث يعتبر تجديد اختيار الأعضاء نوعا من الرقابة الدورية التي يمارسها الرأي العام على البرلمان. أما الرقابة الدائمة فتتم طول فترة عمل البرلمان، ويمارسها المجتمع من خلال وسائل الإعلام سواء على أداء الأعضاء أو قوة البرلمان ككل وهو نوع هام جدا من الرقابة الشعبية على البرلمان.

– الوظيفة الدبلوماسية:

لا يقتصر تأثير البرلمان في الرأي العام على النطاق الداخلي، وإنما قد يمتد إلى النطاق الخارجي فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية، التي أصبحت إحدى العلامات البارزة في العلاقات الدولية المعاصرة، واستطاعت أن تشكل قنوات تأثير على الرأي العام الدولي.

وتتميز الدبلوماسية البرلمانية بالمرونة والحركية. فهي لا تتم بين أشخاص رسميين يعبرون عن وجهة نظر جامدة للدولة، أو يعملون أوراق تفويض في مسائل معينة، إنما بين أحزاب وقوى سياسية متباينة في برامجها وأهدافها في داخل دولتها، بعض النظر عن كون هذه الأحزاب في الحكم أم لا.

وفي هذا الإطار تبرز الدبلوماسية البرلمانية كأرقى الدبلوماسيات الشعبية، وأطراف الدبلوماسية البرلمانية يتمتعون بتفويض قانوني من قبل شعوبهم مصدره ما حازوا عليه من ثقة الناخبين كما أن احتكاكهم المستمر بأنباء دوائرهم يجعلهم معبرين عن اتجاهات الرأي العام. وعلى الرغم ما يصدر عن الدبلوماسية البرلمانية من توصيات وقرارات ليس له صفة الإلزام للحكومات، إلا أنها تعد منابر هامة لمخاطبة الرأي العام وإثارة اهتمامه بالقضايا المختلفة في العالم وزيادة وعيه به.

– الترشيح لمنصب رئاسة الدولة:

تتولى البرلمانات في النظم النيابية ترشيح رئيس الحكومة، وذلك تطبيقا لفكرة الحكم بواسطة الأغلبية البرلمانية ، ففي بعض الدول التي تجمع بين خصائص النظام البرلماني والنظام الرئاسي يقوم البرلمان بترشيح رئيس الدولة ثم يقرر الناخبون ترشيحه في هيئة استفتاء عام كما هو الحال في مصر.

وبهذا المعنى فإن البرلمان يقوم فقط بترشيح رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، وليس اتخاذ قرار تعيين أي منهما.ففي حالة النظام الملكي، يتولى الملك منصبه بالوراثة ولا يوجد للبرلمان دور في ذلك أما في حالة النظام الجمهوري فإن البرلمان قد يقوم فقط بترشيح رئيس الجمهورية، ثم يترك القرار النهائي للناخبين,

وفي النظم الرئاسية، يتولى رئيس الدولة منصبه عن طريق الانتخاب المباشر للمواطنين، بدون أي تدخل من جانب البرلمان، كما الحال في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا.أي أن البرلمان لا يقرر من الشخص الذي يتولى منصب رئيس الدولة، سواء كان ملكا أم رئيس جمهورية وذلك تطبيقا لفكرة الفصل بين السلطات.وحتى في الدول الملكية التي تتبع النظام البرلماني، مثل بريطانيا، فإن الملك هو الرئيس الرسمي للسلطة التنفيذية، حتى وإن كان ذلك شكليا، وهو الذي يصدر قرار تكليف زعيم الأغلبية البرلمانية بتشكيل الوزارة، حتى وإن كان بناء على فوز حزبه بأغلبية مقاعد البرلمان.

– صنع وإقرار السياسة العامة:

مع تضخم دور السلطة التنفيذية في ظل التقدم الصناعي وتزاحم العمل الحكومي بحيث أصبحت الإدارة التنفيذية أكثر انشغالا وتعقيدا في مهام الحياة اليومية وتفصيلات الأداء الإداري، برز دور البرلمان في التأثير على السياسة العامة وذلك لما يتمتع به من قدرة على التعبير عن المطالب الشعبية وأولويات الرأي العام.

– الوظيفـــــــــــة الماليــــــــــــة:

حصلت البرلمانات على سلطتها المالية عبر مرحلة صراع طويل مع الحكومة منذ القرن التاسع عشر، حتى أصبحت تلك السلطة من أهم مصادر قوتها في مواجهة الحكومة،وتتمثل السلطة المالية للبرلمان في تحديد حجم النفقات، واتخاذ الوسائل الضرورية لتغطية العجز المالي في الميزانية سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى.

– التأثير في الرأي العام:

ارتبطت مسيرة التطور السياسي ونمو الاتجاهات الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم بدور البرلمان، حيث كان نقطة انطلاق لأفكار الحرية والمساواة والمشاركة السياسية الشعبية في الحكم. كما كان منبع الوطنية والمطالبة بالاستقلال في الدول النامية خلال الفترة الاستعمارية. وكذلك، فإن البرلمانات تساهم في تشكيل الرأي العام، وبلورة الاتجاهات السياسية العامة حول النظام السياسي وأداء أجهزة الدولة.

كما يعد البرلمان مكانا لعقد المناقشات الدائمة بين المواطنين الذي يعبر عنهم والحكومة بين المعارضة والأغلبية أي يعد منبرا عاما يعبر عن الاتفاق والاختلاف وكثيرا ما تبث وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية هذه المناقشات.

– الوساطة بين المواطنين وأجهزة السلطة التنفيذية:

إن أعضاء البرلمان يقومون بدور الوساطة بين دوائرهم الانتخابية من ناحية والحكومة والوزراء والأجهزة الإدارية الرئيسية من ناحية أخرى،بهذا المعنى، فإن النائب وسيط بين الناخبين والحكومة، فهو يتدخل لدى الإدارة والحكومة ليلفت نظرهم إلى بعض القرارات غير الملائمة التي يعود أثرها بالضرر على المواطنين، كذلك يطالب بتحقيق بعض المطالب الخاصة لأبناء دائرته.ومن ناحية أخرى، فكثيرا ما ينتخب المواطنون نوابهم للوفاء بوعود انتخابية وتلبية مطالبهم المحلية التنموية، وإذا عجز النائب عن تحقيقها أو انشغل عنها تماما بأداء المهام البرلمانية الأخرى فإنه يفقد تأييدهم.

– درجة الديمقراطية في المجتمع:

فالمقصود بالرقابة البرلمانية، إذن، هو دراسة وتقييم أعمال الحكومة وتأييدها إن أصابت وحسابها إن أخطأت،وتتنوع صور العلاقة الرقابية للبرلمان والسلطة التنفيذية في النظم الديمقراطية، ففي بعضها يقوم البرلمان بانتخاب رئيس الوزراء وبالتالي يستطيع عزله (أي سحب الثقة منه)، وفي البعض الآخر لا يستطيع البرلمان ذلك، كما هو الحال في النظام الأمريكي ولكن، على الرغم من غياب تلك الصفة بالنسبة للكونغرس الأمريكي، والنظم الرئاسية والتي تأخذ بمبدأ الفصل الواضح بين السلط، يظل للبرلمان القدرة على الرقابة والعمل باستقلالية،ولأن الرقابة البرلمانية عملية متعددة الأبعاد، فهناك وسائل متعددة أمام النواب لممارسة مهام الرقابة على الحكومة، منها المناقشات المستمرة والعميقة للميزانية، والرقابة والإشراف على العمل الحكومي، وتوجيه الأسئلة للوزراء عن أمور تتعلق بعملهم، كذلك، فبعض البرلمانات ابتكرت وسيلة أخرى من وسائل المراقبة وهي المفوض البرلماني، وهو شخصية مستقلة يقوم بتعيينها البرلمان من أجل الإشراف والرقابة على الإدارة.

ويعود الثقل الكبير للوظيفة الرقابية في نظر المجتمع وأعضاء البرلمان إلى عدد من الأمور التي أملتها التطورات السياسية أهمها:

– هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة، وفي مصدر معظم التشريعات، وهي التي تملك القدرة على التنفيذ، وهي المخولة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين، وتمتلك القدرة الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة. وبالتالي يتجه اهتمام البرلمانات في ظل هذه الأوضاع إلى محاولة استثمار وتفعيل ما هو ممكن من وسائل وآليات للمساهمة في صنع القرار وأهمها الرقابة.

– التوازنات السياسية والحزبية في البرلمان قد تحد من قدرته على توجيه الحياة السياسية وصنع السياسات العامة.

– إن الثقافة السياسية السائدة في المجتمع قد تنظر إلى الدور الرقابي للبرلمان بشكل أكثر تقديرا وإعجابا من نظرتها لدوره التشريعي، وينطبق ذلك بوضوح على نظرة الرأي العام إلى أعضاء المعارضة البرلمانية أو المستقلين، حين يميل الرأي العام وتتجه وسائل الإعلام إلى الانبهار وربما تبجيل العضو الذي يستطيع إحراج الوزراء ويقتنص الفرص لإظهار التقصير في أداء الحكومة، بل وربما يفاخر الأعضاء أنفسهم بذلك ويعتبرونه علامة في تاريخهم البرلماني.

*أستاذة باحثة ودكتورة دولة- تخصص الحياة الدستورية والسياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *