مجتمع

نساء مغربيات يفسرن تدني نسبة المدخنات بالمغرب

سجلت آخر الدراسات الأمريكية التي أجرتها جامعة ولاية واشطن أواخر السنة الماضية 2013، حول موضوع التدخين، أن 187 دولة شهدت ترجعا ملحوظا في عدد المدخنين خاصة في صفوف النساء بنسبة 42% في المائة مقابل 25% في صفوف الرجال ما بين سنة1980 و2012.

وأكدت نفس الدراسة المنشورة في دورية الجامعة، بأن نساء المغرب هن الأقل تدخينا في العالم بنسبة أقل من 1 في المائة بعدل 8 سجائر في اليوم، إلى جانب نساء دولة الكامرون وإريتيريا.

الأرقام التي كشفت عنها الجامعة، والتي تظهر أن المغربيات يتذيلن ترتيب المدخنات في العالم، تطرح العديد من التساؤلات المثيرة للجدل، والمرتبطة إجمالا بعوامل الثقافة والمجتمع.

“مشاهد.أنفو” حاولت اقتحام عالم بعض النساء المدخنات لنقل أرائهن اتجاه الأرقام التي جعلت أكثر من 99 في المائة من المغربيات يمتنعن عن التدخين، وهل لذلك على علاقة بوضع “المرأة” في المجتمع المغربي؟ خاصة و أن نفس الدراسة كشفت بأن أكثر من 50 في المئة من السويديات يرتشفن السجائر..

في حديثها لـ “مشاهد.أنفو”، قالت الباحثة في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط ”صفاء هـ.” أن نظرها تغيرت نحو تدخين السجائر بعد ثلاث سنوات من ممارسة هذه العادة، “بعد ما تعرضت لوابل من الإهانة من زميلاتي في القسم، أصبحت أنظر لسيجارة خفيفة بين أناملي رمزا أخر يساهم في مواجهة النظرة الدونية التي يحملها المجتمع لي كامرأة، سواء من طرف الرجل أو المرأة، النساء من حقهن أن يدخن بالمغرب كغيرهن من النساء، وأن هذه العادة ليست حكرا فقط على متمهنات الجنس”، وهي ترتشف سجرتها تحكي صفاء، “أن أغلبية زميلاتها في القسم، تعتبرن أن المرأة لا يحق لها أن تشرب سجائرها بحرية تامة خاصة في الفضاء الجامعي، وأن أغلب النساء يمتنعن عن التدخين خوفا من نظرة المجتمع الذي ‘يخنق’ حرية المرأة في ممارسة رغباتها، وهذا ما يفسر النسب التي كشفت عنها الجامعة في دراستها الأخيرة”.

يرى عادل، شاب مغربي، في تصريح لـ “مشاهد.أنفو”، أن النسب التي كشفت عنها الدراسة، غير دقيقة، لأن عدد المدخنات بالمغرب يتضاعف بشكل مستمر. ويعتبر عادل بأن التدخين عادة سيئة عامة، وخاصة في صفوف النساء، ”حنا مَاشِي فْ أوروبا باش للبنات يْدَخْنُو أًونْ بْلان بِيبْليكْ”. ويضيف بأن المغرب بلد محافظ، وعلى الجميع احترام عاداته وتقاليده التي لا تسمح للنساء ”المحترمات” بالتدخين في الاماكن العامة. “إن النساء المدخنات بالمغرب، يقدمن صورة سيئة عن المرأة المسلمة، لذا على النساء المدخنات احترام مشاعر المغاربة في الشارع العام، وعلى الدولة أن تتخذ إجراءات للحد من التدخين في صفوف النساء لما لذلك من انعكاسات على صحة الجنين”.

غير أن الحقوقية ليلى-ز. (مدخنة) تعتبر أن تدخين النساء مسألة مرتبطة بقناعة خاصة، وتدخل في نطاق حرية الفرد في اختياراته، و”رغم أن عادة التدخين في صفوف النساء”، تردف المتحدثة، “لا يعبر عن التحرر بشكل عام، لكنه يدخل في نطاق الصراع ضد المجتمع الذكوري”.

وعن الأرقام التي كشفت عنها الجامعة الأمريكية، ترى ”ليلى-ز”، أنه يعزى إلى التضيق الممارس على حرية النساء في المجتمع المغربي الذي يجعل منها “عورة”، فالذكور عامة، يتضايقون من رؤية النساء يقتحم بعض عادات الرجال، ومن بينها التدخين. من حيت المبدأ، تضيف ليلى لـ “مشاهد”، “أن الصراع النسائي-الذكوري، مازال يمارس نوعا من الرقابة على العديد من مسلكيات النساء بالمغرب، كنوع اللباس، الجلوس في المقهى، أو في الحانات، فكل امرأة تحاول تجاوز بعض الخطوط الحمراء، تنعت بـ ‘ممتهنة جنس’ حسب ليلى، وذلك مرتبط بنوع التربية والنظرة الدونية والنمطية اتجاه المرأة، فبمجرد رؤية امرأة مدخنة بالشارع العام يتم التحرش بها وتعنيفها بوابل من العبارات المشينة”.

وبخصوص النسب التي كشفت عنها الدراسة، تعتقد ليلى أنها غير دقيقة، نظرا لانعدام أليات دقيقة يمكن لها ضبط نسبة النساء المدخنات بالمغرب، لأن العديد من منهن يدخن بشكل سري. ويصعب على النساء نظرا لسيادة قيم محافظة أن تقنعن المجتمع بأن التدخين مسألة عادية جدا لدى يلجأن إلى أماكن خاصة لممارسة هذه العادة.

 رأي الحقوقية ليلى لا يعتبر قاعدة عامة، إذ في نفس هذا السياق، استطاعت نادية العوني وهي مدرسة بإحدى الثانويات بالرباط، أن تقنع ولدتها المحافظة وأخاها الأصغر بأن عادة تدخين النساء مسألة عادية ”في ضل التقدم الذي تعيشه المرأة المغربية”. وبحكم قربها من الأخ الأصغر فقد أقنعته بأن تشرب سجائرها بكل هدوء رفقته ورفقة زملائها. ولم تكن المعركة سهلة في نظرها، بل كانت من أصعب ما يكون، خصوصا انها ترعرعت في وسط محافظ لا يسمح للمرأة حتى أن تخرج إلى الشارع دون ارتداء حجاب “يستر عورتها” ومع ذلك استطاعت تحدي الأسرة والعائلة. “التدخين في نظري، ليس بعادة سيئة، أن تكوني مدخنة في مجتمع مثقل بالأحكام المسبقة للمرأة هو نوع من التحدي لثقافة إقصائية، بل التدخين رمز للمرأة المدخنة التي تناضل من أجل المساواة التامة” تقول نادية العوني، وتعزي المتحدث تدني نسبة المدخنات بالمغرب إلى العقلية المحافظة التي نشأت في رعيانها النساء المغربيات.

إن النسب المتدنية التي كشفت عنها الدراسة الحديثة لجامعة ولاية واشنطن، بخصوص المدخنات بالمغرب، لا تعتبر مؤشرا حقيقيا لضعف نسبة التدخين بالمغرب في صفوف النساء، خصوصا وأن آخر الإحصاءات لوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية لـسنة 2012 تكشف عن أن 3.3 من النساء فوق سن 15 يدخن أكثر من 16 سيجارة يوميا، غير أن صعوبة كشف النسب الحقيقة، يعزى إلى أن أغلب النساء بالبلد يدخن بشكل سري خوفا من أحكام المجتمع المحافظ. وخير دليل على ذلك أن المستجوبات طلبن من “مشاهد.أنفو” عدم ذكر اسمهن العائلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *