ملفات

هل ستستفيد حركة “أزواد” من التجربة السياسية لأمازيغ الصحراء بالمغرب؟

يعتبر لقاء محمد السادس يوم 31يناير 2014 مع رئيس حركة أزواد الأمازيغية بلال اغ الشريف، من الأحداث السياسية التي تعني أمازيغ الصحراء بالمغرب، وتجسد الروابط المتينة التي كانت تجمع بين الصنهاجين جنوب مراكش وإخوانهم في تمبكتو، وحتى نعلل أهمية الحدث، من حيث الموقع الاستراتيجي لأمازيغ الصحراء على طول السواحل، والرهانات الإقليمية الممكنة في إفريقيا بصفة عامة والأزواد على الخصوص، وعلاقة شهر فبراير بمدينة مراكش وما يعنيه في مخيلة دعاة تعريب المغرب الكبير،.. وحتى نفصل في كل هذا من خلال ربط الأحداث وتفسير رمزيتها نبدي الملاحظات التالية:

1- علاقة شهر فبراير ومايمثله بالنسبة لمدينة مراكش باعتبار المدينة تشكل اليوم مطبخ القرارات السياسية الإقليمية، والجيو سترتيجية، ويتذكر المغاربة دلالة هذا الشهر بيوم 17 فيراير1989، وهو يوم إعلان “تأسيس اتحاد المغرب العربي” من طرف زعماء دول “المغرب، الجزائر، موريتانيا، تونس، ليبيا”، بحيث توفي اليوم أغلبهم بينما هرب كل من بن علي ومعاوية ولد سيدي احمد الطايع الى شبه الجزيرة العربية، في حين قتل معمر القدافي اثر ثورة تحرير ليبيا في 17فبراير 2011، إعلانا بوفاة “اتحاد المغرب العربي” في نفس التاريخ أي 17 فبراير، وهو ما يجعلنا نطرح التساؤل الوجيه عن علاقة تاريخ اندلاع ثورة ليبيا 17فبراير 2011، وعلاقتها بتأسيس اتحاد “المغرب العربي” في نفس الشهر أي 17فبراير 1989؟ وهي أدلة كافية تؤكد أن زحف الربيع في شهر فبراير مخطط له، وأخطأ دعاة العروبة عندما سموه “الربيع العربي”.

2- حضور ممثل حركة الأزواد ،وصلاته بمسجد الكتبية بمراكش إلى جانب الملك محمد السادس، فيه إشارات واضحة على أن أمازيغ جزء من حسابات ومعادلات المنتظم الدولي في إفريقيا ، كما يجسد تلك الروابط التي تجمع بين كيانات تامزغا عبر التاريخ ،كما أنها مناسبة للتأكيد على أن الحدود الوهمية التي صنعتها الامبريالية لم تعد ممكنة، وأن هناك مقاربات بديلة تراعى فيها مصالح الشعوب مادام أن الحسابات هنا اقتصادية تعني القوى الامبريالية في إفريقيا، وما دام أن حركة أزواد توجد في موقع استراتيجي ،اقرب الى مجتمع” البيضان”، فإن خلق كيان عربي وهمي في المنطقة أصبح من سابع المستحيلات.

3- الصلاة في مسجد الكتبية بحضور الملك محمد السادس ورئيس حركة ازواد، يستدعي منا البحث في التاريخ واستحضار مثيلا لهذه اللحظات، وسنجد أن هذه المبادرة تعد تصحيحا للتاريخ المغربي ولو بشكل مختلف وحتى نعود الى التاريخ وعلاقة أمازيغ الصحراء، بالأوربيين على الخصوص، لابد من التذكير بأهمية اللحظة التاريخية للحماية الإسبانية على أمازيغ الصحراء في افني 6 أبريل 1934، وفي نفس الوقت نستحضر معها السؤال الذي طالما يردده الباحثين، لماذا قبلت آيت بعمران الحماية مع الإسبان وليست فرنسا؟ لعل الجواب يحتاج إلى مقالات في الموضوع تتشابك فيها الأحداث.

4- تاريخ تأسيس دولة أزواد في 6 أبريل 2012، يجعلنا نسأل اليوم عن تصحيح ربما خطأ آيت بعمران عندما فضلوا الحماية الإسبانية دون فرنسا، من خلال إقدام حركة أزواد على إعلان تأسيس دولتهم في نفس التاريخ أي 6 أبريل 2012، وهو التاريخ نفسه الذي عقد فيه الباعمرانيون لقائهم مع الإسبان بسيدي افني لإدارة حكمهم 6 أبريل سنة 1934، ربما يعتقد البعض أن المسألة من مهد الصدفة، لكن دورة التاريخ لاتحتاج الى تاؤيلات، قد تكون الأحداث تظهر بشكل مختلف، لكن التاريخ أيضا يعرف برجاله و تواريخه، والعبرة عند الأوربيين فلكل حدث مهم ذكرى مجيدة، حتى لاتنسى الشعوب، فلا مكانة للنسيان في أحداث صنعت تاريخا لشعوبها كما هو حال 6 أبريل، الذي تحول لمعانه واتجهت الأنظار بالأمس الى افني واليوم الى تامبكتوا والقاسم المشترك بين الأمس واليوم الدور السياسي لامازيغ الصحراء في رهانات إقليمية بالصحراء. لكن يبقى التساؤل مشروعا هل انتهى دور اسبانيا في الصحراء، بعدما كانت بالأمس تسوق لمفهوم الأسبانية؟ مدام أن مشروع الجمهورية العربية الوهمية غير ممكن والذي ظلت ترعاه لسنوات عانت فيه ساكنة تندوف من تطويق واستبدادا عقدا ونيفا من الزمن.

5 ـ أمازيغ الصحراء أصولهم صنهاجية في أغلب الحالات وهم الذين أسسوا دولتهم من شتقيط ،الإختلاف الواضح بين أمازيغ الصحراء في المغرب و بين رفاقهم في الازواد، هو صناعة الأحداث في زمنين مختلفين، بين 1934 – 1947، حيث عاش أمازيغ الصحراء في سيدي افني مرحلة ازدهار وإدارة الحكم، ومن 1947 الى 1969، مرحلة التوتر والحروب على غرارماتعيشه الازواد اليوم ،ومن 1969 الى اليوم التهميش والإقصاء مدة 78 سنة من التهميش دواليب القرار السياسي على غرار الازواد، وحيث أن السينات القرن الماضي مرحلة عصيبة عاش فيه أمازيغ الصحراء بسيدي افني ويلات الحرب الضارية حيث تكالبت عليهم القوى الامبريالية الفاشية بقيادة جيش فرانكوا، والقصف المكتف للطائرات “الجونكر الألمانية” بداء من سنة 1957 إلى 1969، بعد إعلان الهدنة عبرالمنتظم الدولي وإقرار بتوصيات الأمم المتحدة ومنها 1514، تم تسليم إفني سنة 1969 ودون أن نخوض في حيثيات التسليم، وعن غياب ممثلي القبائل “إمغارن” الذين تم إعتقالهم حيث فرض على البعض منهم الإقامة الجبرية،بينما تم سجن الأخريين بسجن الداخلة، وتفكيك مرجعية أمازيغ الصحراء اثر ما عرف بمؤامرة بيزكارن 1956، وبدعم مفضوح للعروبين.

6 – 78 سنة من التهميش بالنسية لامازيغ الصحراء في المغرب تسببت فيه القوى الرجعية بداء بالتيار السلفي الذي أسسه مجموعة من الطلباء أبناء المنطقة بعد أن تشبعوا بأفكار دخيلة على المجتمع الصحراوي، وكان لهم دور في إشعال فتيل الحرب بين إسبانيا وايت بعمران، حيث تم فبركت عريضة التجنيس سنة 1947، من طرف دعاة السلفية الذين استوردوا هذه الأفكار من الحزب التونسي، وحاولوا فرضه على آيت بعمران بمعية حزب الاستقلال وفروعه في المنطقة. وهو نفس الشئ تعاني منه الازواد اليوم من تنامي ظاهرة الإرهاب، فإذا قارننا ما وقع في سيدي افني في 1947 الى 1969، وما يقع في تمبكتو مؤخرا، نجد أن أحداث الأمس تشبه نظيرها اليوم، والعدو اللذوذ للامازيغ هو استعمال الإسلام السياسي لتظهير أنظمتهم في الحكم.

7 – مبادرة الملك محمد السادس في استقبال أمازيغ الأزواد، هي رهانات جديدة في معالجة قضايا الصحراء ومنها القضية الوطنية، بل تمهد لحل سياسي يراعى فيه المكون الامازيغي المتجدر عبر الحضارة المغربية، كما أن مساحات دول مثل الجزائر وليبيا أكبر من المغرب وتونس، وهو ما يستدعي الغاء الحدود والرجوع الى النظم الكونفدرالية في التسيير والحكم في شمال إفريقيا انطلاقا من مراكش كما كان المرابطون يحكمون أمور هذه المناطق.

8 – حركة الأزواد باستقبالها من طرف الملك محمد السادس بمراكش، هي أيضا رسالة الى كل محتكري ملف الصحراء بتصورات غير دقيقة، بحيث أن أخطاء أرتكبت جزافا تسبب فيها دعاة الفكر العروبي، بل ارتبطت في عمقها بسياسية غطرسة المركز، حيث كان أهل الجنوب محتقرين ولا قيمة لهم عند أهل الرباط وسلا وفاس ، وهو ما يستدعي اليوم مراجعة الذات وبناء الصرح الديمقراطي، يجد فيه المواطن نفسه حرا في وطنه بعيد عن المزايدات السياسية. وهنا لابد أيضا من تغيير المفاهيم العتيقة وتوظيف البعد الامازيغي في النقاش لمعالجة مشكل الصحراء.

هذه فقط بعض الملاحظات التي استرجعناها من خلال ذاكرة وتجربة سياسية منسية لأمازيغ الصحراء، ودورها اليوم في توفير الأمن والإستقرار في شمال إفريقيا والصحراء بالخصوص، وحيث أن الصلاة في مسجد الكتبية بمعية رئيس حركة الازواد الملثم بعمامة بيضاء، أشبه بعودة عبد الله بن ياسين المرابطي من شنقيط الى مراكش رأفة بأهل الصحراء، الذي قال عنهم أنداك أن عامتهم يجهلون الإسلام وخاصتهم تعرف الشهادتان”. فهل إستعادت الأزواد ذاكرة التاريخ المشترك مع أمازيغ الصحراء بالمغرب وهل استفادت من دروس تجربتهم السياسية في الصحراء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *