آراء

الإستثمار الديني بين البابا وأمير المؤمنين في إفريقيا

تبدو جولة الملك محمد السادس إلى إفريقيا منعطفا هاما، من حيث توقيته، وأبعاده الإستراتيجية،إلا أن المثير للإنتباه،هو أن الدور المغربي في جنوب الصحراء ودول الساحل أصبح مفروضا بعد لقاء محمد السادس مع الرئيس الأمريكي أوباما ، حيث أن هذا اللقاء جاء بعد أزمة بين بلادنا والولايات المتحدة الأمريكية،بسبب التحضير لمجلس الأمن،حينها فوجئ المغرب بمسودة قرارمقترح علىمجلس الأمن،ينص على توسيع “صلاحيات المينورسو”لتشمل مراقبة وضعية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية،ولم تكن المبادرة سوى من طرف ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة ” سوزان رايس” وحيث أن المغرب كان يعتمد على فرنسا أكبر حلفائه لإستعمال حق الفيتو، كلما تعلق الأمر يالقضية الوطنية، و لايمكنها أن تدافع عنه بدون مقابل.

ومازاد الطين بلة أن الأزمة الاقتصادية في العالم أزالت اللثام عن تكالب الحلفاء فلم يعد تكفيهم مصالح ابقوا على جني أرياحها سنين عديدة،وقد تغيرت الأمور بتضارب مصالح الأقوياء فلم يعد بإمكان المغرب أن يبقي نفسه رهينة لفرنسا ،ولاعاشقة أبدية تلبي رغباته كلما رغبت على حد وصف السفير الفرنسي السفير الفرنسي Delattre الذي يتواجد اليوم في أمريكا في إحتقار وازدراء من حكومة الإسلاميين … إلا أن هذا الإفراط في العشق إلى حد إمتلاكه لم يعد ترضى به أطراف أخرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية يقودها ولأول مرة رئيس ذو الأصول الإفريقية يعرف ماذا تمثل القارة السمراء بالنسبة للأوربيين والعرب،لما لا وقد وجه خطابه التاريخي من إفريقيا بعد أن تبث للعالم معاناة الأفارقة من الفرنكوفونية وسرقة مواردها دون تنمية تذكر،إلى درجة أن هناك دولا تحتضنها فرنسا كرهينة بتبعيتها الإقتصادية وتجتمع بإسمها في تكتل سمته تجمع الدول الفرنكوفونية، ومن ضمنها المغرب كقوة صغيرة اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا لكن لايعني أنها ضعيفة بحيث أنها قوة كبيرة من حيث إستثمارها الروحي، فهي إمارة المؤمنين التي تمثل إفريقيا، بل العالم الإسلامي في حالة انفتاحها على إسلام الفرس.

ومن جهة أخرى الميزان التجاري بين المغرب وبعض دول القارة الإفريقية عما قريب أرقامه ليست منفوخة ولو أنها لصالح المغرب بحيث أن صادرته أكبرمن وارداته الى هذه البلدان، ورغم ذلك لا نعرف ماذا جنى وزراء حكومة بن كيران من هذه الجولة الإفريقية وأضافوه لخزينة الدولة بعدما أثقلوا كاهل المغاربة بالضرائب والإقتطاعات، فيكفي القول أن رأسمال أمارة المؤمنين مصدرها الشعوب التي تؤمن بالله ومن ضمنها المعتنقة للإسلام والتي زارها الملك ،هذا الدور لايمكن أن تقوم به فرنسا اليوم، مادام أن نظرة الأفارقة للفرنسيين المعمريين دونية ولم تقدم شيئا لمجتمعاتهم غير العبودية، وكانت تستغل الأفارقة أبشع استغلال فالرجال يموتون في المناجم من فرض الإرهاق والجوع ،كما تموت النساء في الضيعات لنفس الأسباب كما عانت القارة أيضا من تهجير قصري” الإستعمار الاستطاني” وهو ما يعي به الرئيس الأمريكي الزنجي بارك اوباما وقبله مارتان لوتر كينغ و الأسطورة مانديلا.

إن إيجاد بدائل الخوف من المأساة ،وترسيخ عقيدة العطف والتسامح في المجتمع الإفريقي يحتاج إلى قراءة متأنية للميثولوجيا عند الأفارقة أي العلم الذي يبحث في أساطير التكوين والآلهة والأبطال ونعني بها الأساطيروالمعتقدات الخرافية ،وهو ما حاولت فرنسا أن تجعل منه فلكلورا في صناعة سينمائية رديئة حول الإنسان الإفريقي كما تصوره وعلى شاكلة الحيوان الأليف.لكن تبقى تلك الطقوس هاجس الذي يشحد همم الأمم ويشدد عزمها من الاستفادة من حضاراتها السابقة، فإمارة المؤمنين وبعد تدعيات الإستغلال السياسوي للدين وما تولد عنه من كره عالمي لإسلام العرب من جراء العمليات الإرهابية، ملزمة بتطوير ميكانزمات الإستثمار الديني والبحث في معتقدات الأفارقة وفي ميثولوجية شعوبهم القديمة وهو إجراء الهدف منه وقف العنف، بسبب الإستثمار الديني السلبي الذي يحقق مصالح العصابات الإرهابية الممولة والمستخدمة لتنفيذ عماليات لاعلاقة لها بالتدين والإعتقاد السليم.

وحينما نعود إلى دروس وعبر التاريخ المغربي، يتضح إن تجربة السعديين غنية بأحداث تتكرر اليوم ولو بشكل مختلف، أشبه بوضعية المغرب في نهاية القرن 15م وبداية القرن 16 حيث أصبح المغرب محط تهديدات خارجية قوية قادتها المماليك الأيبيرية بعد توحد قشتالة وأركون سنة 1469 م ،وامتدت إلى الجنوب بعد أن قضت على آخر إمارة إسلامية بالأندلس سنة 1492م، وكيف استطاع زعماء القبائل بسوس إقناع احد زعماء زاوية “تامدولت وقا”، بمبايعته على إثر كلب العدو الإيبيري، لكنه رفض ولم يكن يرغب في خلط بين الدين والأمور السياسية، وهي تجربة فريدة لمفهوم العلمانية بخصوصية مغربية لم يكتب عنها دعاة العلمانية المتأثرين بالثقافة الفرنسية.

وقد نجح مبارك وقا، في بناء الدولة السعدية عندما بعث للمولى محمد القائم بأمر الله السعدي، فقهاء المصامدة وشيوخ القبائل واستدعوه الى تقديمه عليهم وتسليم الأمر إليه فلبى دعوتهم فبايعه الناس في تولية أمورهم .وبدأ الإلتحام الشعبي لمقاومة العدوان والدفاع عن الأرض وتوج ذلك بمعركة الملوك الثلاثة 1578 م التي صنعت مجد المغرب.

وبعد هذا الإنتصار في واد المخازن حضي المغرب بمكانة خاصة دوليا ولم يتأتى لقوىمنافسةكالإمبراطورية العثمانية احتلاله نظرا لتخوفاتهم وحال دون وصولها إلى المحيط الأطلنتي،وهي عقدة قائمة عند الأتراك إلى اليوم. للمغرب دور كبيريلعبه اليوم في إفريقيا اعتمادا على الإستثمار الديني،لكن من جهة أخرى يبقىالبابا يراقبه،فالمسيحيون لايرضون إلا بالمسيحية ولايتقون في إسلام العرب، لذا نجد مصالح الغرب مع مثل المغرب تبقى مؤقتة وأن التنافس على المناطق الإستراتيجية العالمية يأخذ صراعا ساخنا ومن بين هذه المناطق منطقة المحيط الأطلسي التي ظلت تشكل تاريخا مركزا دوليا هاما كما أصبحت تشكل حاليا بالنسبة للإستراتيجيه الأمريكية إحدى المراكزالرئيسية في العالم.

إن ارتباط القواعد العسكرية الموجودة في إسبانيا بالوجود العسكري الأمريكي في المحيط الأطلسي يدفع أمريكاإلى تدعيم إسبانيا دعما كبيرا لأنها تكون مركزا أساسيا للقوات الأطلسية التي تدعم وجود الحلف الأطلسي كقوة عسكرية وهذا بالتالي ما يجعل اسبانيا تمثل توجه البابا الذي ينتمي إلى مناطق سبق لإسبانيا أن استعمرتها، ولم تكن أمريكا اللاتينية تحضى برمزية لتمثيل الكاثوليك من خلال البابا الأرجنتيني إلا بعد 500سنة، الرمزية الدينية التي إحتكرها الأوربيين وقد لانستغرب يوما حين تطلق البابوية يدها لنهج أسلوب لايختلف عن جولة أمير المؤمنين في إفريقيا؟؟

إن إيجاد مراكز رئيسية للتمركز العسكري في العالم يعتبر إحدى القضايا الأساسية في السياسة الامبريالية الأمريكية والحلقة المركزية التي يدور حولها الصراع و بالتالي فإنها هي التي توجه سياستها العامة وهدا ما جعل التنافس على المناطق الإستراتيجية العالمية ياخد صراعا ساخنا ومن بين هده المناطق منطقة المحيط الأطلسي التي ظلت تشكل تاريخا مركزيا دوليا هاما هده المنطقة التي أصبحت تشكل حاليا بالنسبة لاستراتيجيه الامبريالية الأمريكية وأهدافها إحدى المراكز الرئيسية في العالم لانطلاق الأسطول السادس فأهمية المنطقة عسكريا هي التي تحدد طابع السياسة الأمريكية وتحدد بالتالي علاقتهما الاقتصادية والسياسية.

وان العلاقة الأمريكية الاسبانية لا يمكن النظر إليها إلا من خلال هده الرؤية وتحليلنا للواقع الاسباني والاهتمام الأمريكي به وتقوية النفوذ بها ودلك للدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه اسبانيا في منطقة شمال إفريقيا وانطلاقا من جبل طارق إلى تخوم الصحراء المغربية فان أهميتها تتضاءل أمام ما هو موجود في اسبانيا ومستعمراتها بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية الأمريكية المتنوعة بها.

إن ارتباط القواعد العسكرية الموجودة في اسبانيا والصحراء بالوجود العسكري الامبريالي الأمريكي في المحيط الأطلسي يدفع الامبريالية الأمريكية والغربية إلى تدعيم اسبانيا دعما كبيرا لأنها تكون مركزا أساسيا للقوات الأطلسية التي تدعم وجود الحلف الأطلسي كقوة عسكرية وهدا بالتالي ما يجعل اسبانيا الفاشية تطلق يدها لنهج أسلوب استعماري استيطاني عدواني ضد جماهير الصحراء ولتكوين قلعة استعمارية موازية للعدوان الصهيوني الامبريالي على جماهير الشرق العربي والجماهير الفلسطينية وضد إرادة التحرر للشعوب العربية ولأحكام الطوق الامبريالي من الخليج العربي مرورا بالبحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي.

إن هد الإستراتيجية الامبريالية تفرض على القوى الثورية العربية تحديد إستراتيجية ثورية جديدة مبنية على أسس مادية واقعية وهدا مايدفع بناء على ضوء الواقع الحالي أن نبحث عن تطور الأساليب الاستعمارية والامبريالية وتطور مصالحهما بمنطقة الصحراء وتغير معالمهما ونهج أسلوب استيطاني استعماري يعد الثالث من نوعه بعد سبتتة ومليلية وفلسطين في الوطن العربي والخامس بعد جنوب إفريقيا وروديسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *