ثقافة وفن

“جانفيليي” .. أغنية نقل بها مبارك عموري معاناة السوسيين بباريس

حظيت أغنية الراحل عموري مبارك “جانفيليي” باهتمام النقاد والمهتمين، فمن خلالها صور كاتبها علي صدقي أزايكو معاناة مهاجرين ينحدرون من جنوب المغرب هاجروا في بداية خمسينيات القرن الماضي إلى فرسنا، وكان لباريس نصيب من هذه اليد العاملة التي اشتغلت في مناجم الفحم وشق الطرقات والأنفاق حيث تم نقل عدد كبير منهم من طرف القائد “موغا”.

تريث الشاعر الكبير علي صدقي أزايكو كثيرا قبل أن يقرر منح قصيدته للراحل عموري مبارك للاشتغال عليها، بحيث فضل وضعها في رفوف خزانته، لا لكونه لم يقتنع بعد بأي من الأصوات التي كانت متداولة حينها في الساحة، وبعد التقائه بعموري مبارك والحديث معه وضعها الراحل في قالب موسيقي متميز، كانت تيمثه الأساسية التجديد ورفض تكرار النوتات الموسيقية والتي كانت تتميز به الأغاني الأمازيغية حينها، بحيث كانت تركز على الكلمات ولا تهتم بالألحان مما يجعلها نمطية طيلة أداء الفنان لقصيدته.

دخل عموري مبارك منافسات الأغنية الوطنية بمدينة المحمدية بأغنية “جانبيليي” نسبة إلى الضاحية الفرنسية “جانفيليي” وشارك بها سنة 1989 بالمحمدية وحاز على الجائزة الأولى أمام كبار المغنيين المغاربة حينها، والسبب أنها كانت بالفعل مرآة حقيقية لمعاناة السوسيين بمدينة الضباب، وهم الذين ألفوا العيش في حقول الأطلس الصغير حيث الشمس والحرية.

ساعده في الأداء سفره الدائم إلى هذه المنطقة بالذات، حيث يتواجد أخوه الاكبر الذي يشتغل في قطاع النقل الطرقي بين فرنسا والمغرب، وعاش جزءً كبيرا من حياته بين هؤلاء المهاجرين وتحدث إليهم وكشف جانبا كبيرا من معاناتهم بعيدا عن أهاليهم.

لقد سافر عموري في أغنيته “جانبيليي” بالمستمعين إلى عوالم ماوراء البحر حيث الشقاء والبؤس والبعد عن الأهل والأحباب، وصور جانبا مهما من معاناة هؤلاء العمال الذين استعانت بهم فرنسا في وقت من الأوقات لتحقيق إقلاع اقتصادي.

وأقسم بالايمان في أغنيته أن هؤلاء المهاجرين مهما طال بهم المقام هنا فهم لن ينسوا هواء وشمس بلداتهم بالمغرب فهم ألفوا الحقول الواسعة وحتما سيغادرونها.

https://www.youtube.com/watch?v=LJK_8OWS3TM

لم يكن عموري مبارك فنانا عاديا؛ بل كان مجددا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولد سنة 1951 في بلدة “ايركيتن” بتارودانت، قضى بها طفولة قاسية بحث كان يتيم الأب والأم. ترعرع بين أشجار الأركان ومارس الرعي وصدح بين الجبال بصوته.

انتقل للعيش بين جدران إحدى المؤسسات الخيرية بمدينة تارودانت، وكان دائم التنقل إلى الدار البيضاء باحثا عن التجديد في كل شيء، لم يلتفت الراحل لنفسه كثيرا بحيث كان معروفا بالوحدة وقلة الكلام، مع جهره بآرائه في كل الندوات التي يحضرها.

عرف عنه أنه يميل كثيرا إلى السير وحيدا في أزقة المدن التي عاشها والتي كان آخرها مدينتي أكادير والدار البيضاء، وكان يحب كثيرا ركوب الدارجة الهوائية بمدينة تارودانت ولم يكن يتوفر على سيارة.

تزوج منذ حوالي خمس سنوات ورزق بطفل اختار له من الأسماء الامازيغية “سيفاو”، ناضل من أجل القضية الامازيغية في أشعاره ومواقفه، فكان من القلائل الذين يشتغلون في الظل ويبتعدون عن دائرة الأضواء والانتهازيين الذين استغلوا القضية وأوصلتهم إلى مراكز سياسية مهمة.

يشهد له جميع المهتمين أنه الفنان الوحيد الذي كان يؤدي مقاطع غنائية بكلمات أمازيغية صرفة بحيث لايمكن للباحث فيها أن يعثر على كلمة دخيلة.

ساعدته تنشئته بقلب جبال الأطلس، حيث عاصر شعراء “أحواش” ونهل منهم، وكانت انطلاقته الأولى مع مجموعة “سوس فايف”، حيث اشتغل إلى جانب ذلك في العمل الجمعوي وانخرط فيه بجدية في الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وكون بعدها مجموعة “أوسمان” سنة 1975 والتي ذاع صيتها في الامصار وأدخل الآلات الحديثة، والقيثارة والكمان، والأكورديون، والمقامات الموسيقية الحديثة، التي أوصلت المجموعة إلى مسرح “الأولمبيا” الشهير بباريس.

ويحتسب لعموري أنه استطاع المزج بين فني الروايس وأحواش، وكان له السبق في تطوير الأغنية الأمازيغية وعصرنتها. وبالرغم من أن المجموعة تفرقت سنة 1977 إلا أن كل من أعضائها استطاع تحقيق نجاحات واستمروا كأفراد في العطاء الموسيقي الأمازيغي وفي البحث الأكاديمي الموسيقي.

تعامل الراحل مع شعراء كبار أمثال الشاعر إبراهيم أخياط، وعلي صدقي أزايكو، ومحمد مستاوي، وغيرهم، إذ طغت على نصوص عموري مبارك الغنائية تيمتان أساسيتان، هما تيمة الحرية وتيمة الهجرة والترحال المستمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *