خارج الحدود

كيف تصنع فيلماً عالمياً بممثلين غير محترفين؟

يمتلئ فيلم ذيب بالمغامرات في الصحراء خلال الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى، لكن المغامرة الكبرى خاضها صناعه عندما قرروا الاعتماد في بطولة الفيلم على أفراد من العشائر البدوية التي عاشت لمئات السنوات بمنطقة التصوير في صحراء الأردن، وكانت النتيجة ليست فقط فيلما ممتعاً على المستوى الترفيهي، ولكن ينبض بالحياة على أيدي شخصيات تقدم حياة البدو بشكل واقعي.

ناجي أبو نوّار، مخرج الفيلم الذي شارك في تأليفه مع منتجه باسل غندور، يتذكر أن الإعداد للفيلم استغرق عامين، لكن العمل في منطقة التصوير استغرق عامين آخرين، من بينها 8 أشهر في ورشة تمثيل تم إجرائها لتدريب الأفراد المشاركين على التواجد أمام الكاميرا.

“التصوير نفسه لم يستغرق كثيراً، لكني أردت من الممثلين أداءاً طبيعياً صادقاً فيما يتعلق باللهجة والثقافة البدوية، فهناك تفرد في السلوك البدوي المادي، مثل الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم في الحياة اليومية، وهي أشياء قد يستغرق الممثل المحترف وقتاً طويلاً في تعلمها، لذا استنتجنا أن تدريب البدو ليكونوا ممثلين أفضل طريقة لنا لتحقيق صورة طبيعية أصلية كنا نبحث عنها” يقول أبو نوّار.

عملية اختيار الممثلين لم تكن سهلة، يتذكر أبو نوّار هذا “ذهبنا لكل القرى في منطقة عملنا، وقابلنا الكثير من الناس، كنا ندعوهم لتناول الشاي كي نقنعهم بالمشاركة”، وبعد هذا كان على صناع الفيلم اختيار 11 شخصاً فقط من بين 250 تقدموا للمشاركة فيه، وذلك من أجل التركيز عليهم في ورشة فنون التمثيل.

الدور الرئيسي في الفيلم هو للفتى البدوي ذيب الذي يترك مضارب قبيلته الآمنة ليتبع شقيقه حسين في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث تعتمد نجاة ذيب من هذه المخاطر على تعلم مبادئ الرجولة والثقة ومواجهة الخيانة. وقد قام بدوره الطفل جاسر عيد الذي كان عمره 11 عاماً وقت تصوير الفيلم، والذي أثار إعجاب الجمهور بعفويته.

“بعد 3 أشهر قضيناها في منطقة التصوير، اكتشفنا أننا نحتاج إلى صنع ما يشبه مقدمة إعلانية بدائية من أجل الحصول على تمويل. عيد أبو جاسر كان أحد المنتجين المتعاونين معنا من المجتمع المحلي، وطلبت منه أن يرسل لي أحد الأطفال لكي يقوم بأداء دور توضيحي في المقدمة الإعلانية، فأرسل ابنه. كنا نعرف جاسر من قبلها لعلاقتنا بوالده، لكننا لم نفكر فيه كممثل لأنه كان خجولاً جداً، لكن بمجرد وقوفه أمام الكاميرا، بدأ في التألق أمامنا” يقول ناجي.

وعن مشاركة ابنه في التصوير، يحكي الأب أنه كان قلقاً، خاصة وأن دور جاسر كان يتضمن مشاهد صعبة عليه كطفل، مثل السقوط في البئر وتواجده فيه. يقول عيد “خلال المشاهد الليلة في الصحراء كانت درجة الحرارة منخفضة جداً، لذلك عندما ترونه وهو ينتفض من البرد، فإن هذا لم يكن مجرد تمثيل”.

وعن توجيهاته لـجاسر يقول أبو نوّار “أحياناً يكون أفضل شيء يقوم به المخرج هو أن يبتعد عن الممثل، لهذا كنت أعطيه توجيهات عامة وبسيطة ثم أبتعد وأتركه”.

ويقوم حسين سلامة بدور شقيق ذيب الذي يحاول في بداية الفيلم أن يرشده لطريقة الحياة البدوية، وهو دوره الأول في السينما مثل باقي الممثلين، ويشرح سلامة أن التناغم الذي يظهر في علاقته بـجاسر في الفيلم ترجع لكونهما أبناء عمومة وجيران في الأساس، وفي الظروف العادية يقضيان معظم وقتهما معاً.

أفراد المجتمع المحلي الذي تحمسوا للعمل بالفيلم، كان دائماً لديهم دافع أن يحاولوا تقديم صورة دقيقة عن حياة أهل الصحراء، ويحكي سلامة أنه كان يقترح دائماً تغيير كلمات معينة في الحوار أو تفاصيل دقيقة تتعلق بالحياة في الصحراء، وهو ما كان يستجيب له صناع الفيلم. وقد فتح له دوره بالفيلم فرصة للمشاركة بفيلم فلسطيني يجري الإعداد له حالياً.

تعاون المجتمع المحلي مع الفيلم لم يكن من خلال التمثيل فقط، حيث قامت واحدة من عجائز القبائل بصناعة الأكسسوارات اللازمة الفيلم مثل التي كان أهل المنقطة يستخدمونها في بداية القرن العشرين، حيث أنشأت مصنعاً ووظفت النساء الأخريات في المجتمع البدوي، ومعا صنعن كافة الأكسسوارات البدوية مثل القِرب وحقائب السروج وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *