آراء

الداعشية نتيجة لسوء الفهم والسلطوية

كثيرة هي الأسئلة التي تُثار حول تنظيم الدولة الإسلامية في الشام و العراق والمعروف إختصارا بداعش, وأغلب الناس يجهلون حيثيات تكوين هذا التنظيم و غيره من التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة التي تهدد حياة الأفراد و المجتمعات تحت درائع و مسميات واهية لا تخدم الإنسان و لا المجتمع. بل قد أجزم قسما أن جل من يتكلم اليوم عن تنظيم داعش و أمثاله لا يدرك حقيقة هذا التنظيم و لا يعلم متى و كيف تم تكوينه و من طرف من.

بالعودة إلى زمن ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم سنجد بذورا ألقيت في ساحة الفكر الإسلامي من طرف بعض الأئمة الغلاة من فرط غيرتهم على الإسلام و منهج النبي صلى الله عليه و سلم, لكن الإشكال الأكبر ليس في فكرهم و نظرتهم للدين بل يكمن بالأساس في كيفية تلقينه لتلامذتهم.

بالعودة إلى تلك الفترة نجد أن التلاميذ يجعلون من شيخهم قدوة لا يعاب و لا يناقش لدرجة تربّت في نفوس المسلمين اليوم عادة الإستدلال بأقوال الأئمة و بعض الكتاب علما أن أقوالهم قد تكون موضوع زمانهم على الرغم من أنني لا أُعمم إلا أنني أدرك يقينا أن بعض تلك الأقوال لم تعد تصلح لزماننا و الحق يقال.

فهناك شيوخ درسوا الفقه و درسوا اللغة و النحو و أصول التشريع و علوم القرآن، وعلوم السنة والحديث الشريف، وعلوم العقيدة، وعلوم الفقه وأصوله، وعلوم الأخلاق, لكنهم غفلوا عن أهم مكون من مكونات التشريع و الإفتاء و هو مفهوم متعلق بدراسة الواقع, لذلك يجعلون هذا المعامل مهملا في معادلاتهم الإفتائية, ما يؤثرا سلبا على جل المنطقيين و ذووا العلوم الحياتية.

ثم إن الكيفية التي وصل بها الإسلام إلينا كانت كافية لصنع الدواعش و الجماعات المتطرفة خاصة أن ما هو متنبى من طرف العلماء جد تقليدي و لا يخدم المصلحة العامة لإرتكازه على تعطيل العقل و الإتكال على ما وُجِد و طُبخ في زمن غابر معتبرين ذلك من المسلمات التي لا مجال لإعمال العقل بها.

الثوابت لا تناقش و هذا أمر معروف و مسلم به, لكن هناك أمور تتغير بتغير الزمان و المكان و بتغير التقاليد و العادات و بتقدم الشعوب و إزدهارها, و هي على الأغلب تتبع المصلحة العامة كما هو معلوم لدا كل عاقل, و هذا أمر متجاوز ليس موضوع النقاش.

فالإنسان مخلوق بشري يتعامل وفق فطرته و خِلقته و الإسلام دين الفطرة لذلك فهو يتناسب مع العقل و يأمر بإعمال العقل و التفكر و التدبر في آيات عديدة, و كل ذلك لغرض واحد هو معرفة الله و عبادته و معرفة قدر الإنسان و النفس البشرية التي من أجلها تم خلق هذا الكون البديع بقوانينه الفزيائية و ضوابطه الحسابية التي تجعل من الشيء المهمل في نظر الإنسان العادي, عاملا لتوازن الكون في نظرة الفزيائي و الرياضي.

فصناعة الإرهاب قد تكون من أتفه الأشياء التي نغفلها في الأوقات الراهنة لكن غياب المختصين في المستقبليات يجعل من هذه الأشياء بذورا خامدة لقرون قبل أن تنشط و تنمو بسرعة خيالية و تصعب السيطرة عليها فتكون وبالا على الإنسان و المجتمع و الدين.

فكتب الغلاة كانت شرارة تكوين أفكار و أيديولوجيات متشددة تجعل من الرأي المخالف عدوا يجب قتال صاحبه حتى يتوب و تعطي الشرعية لكل من يساير منهجها لتعبيد الطريق لمصادرة أفكار و معتقدات الغير, كما أنها تجعل من الآخرين كفارا مخالفين لمنهج الله على الأرض الذي يزعمون أنهم حاصلون على تفويض من قبل الله يجعلهم يتكلمون باسمه و يحاسبون الناس بكلامه.

فإذا ناقشناهم في أي كلام ورد حكمكم على الناس نجدهم لم يفهموا الكلام جيدا و لم يدركوا معنى القرآن الكريم الذي جاء لإعطاء نقط و عوارض لتحديد مسار الحياة البشرية عن طريق توجيهات حكيمة لتحقيق مقاصد سامية تخدم المصلحة العامة و تحافظ على تماسك المجتمعات و تضمن التعارف بين القبائل و الأجناس البشرية الوارد في كتاب الله.

كل من الإرهاب و التخويف و الأحكام المسبقة على تصرفات الناس هي أسلحة الضعفاء و العجزة الذين لا يمتلكون الجرأة على المواجهات الفكرية و المناظرات الأيديولوجية, فيختبؤون وراء الأفكار الرجعية التي أكل عليها الدهر و شرب, و يجعلون أصابعهم في آذانهم عند سماع مخالفيهم في الرأي و الرؤية, و يستكبرون عن الجلوس إلى طاولة المناظرة, فيعطلون العقل و يُعملون السيف كرد على أعدائهم و أعداء الله على حد زعمهم.

فلما تبادرت بذور الفتنة إلى الطفو على مياه المسلمين استغل الغرب نمو الجماعات الإرهابية لشرعنة التدخلات العسكرية بمباركة المسلمين أنفسهم للقضاء على المدنيين و الإسلام الحقيقي و وضع إسلام مبتذل و مصطنع يخدم غير المسلمين ابتداء و يساير الأهواء و جعله إسلاما فارغا روحيا و مجردا من قدسيته و سموه و هيمنته على سائر أديان التوحيد.

و الإرهاب و التطرف و الغلو نتيجة و ليسوا معطى, فالغلو و التطرف على سبيل المثال نتيجة  لخليط مكون من سوء الفهم مع حسن النية بمعية الغيرة على الدين, و الإرهاب مجرد سلاح للردع و التركيع لمسايرة الغلاة و المتطرفين قسرا.

إلا أن الإرهاب ليس مرتبطا بالدين بالضرورة فهو سلاح من لا سلاح له و قوة الضعيف و العاجز عن مجاراة الركب الحضاري و الرقي الفكري, فهو نتيجة للإحتقار و التجبر و التسلط الذي تمارسه السلطات الحاكمة على الضعفاء ما يجعل سلاح المقاومة جد نادر و غير متاح, فيلجؤون إلى الإيمانيات لتسكين قلوب اللاعبين في ساحة الوغى و يقنعونهم بضرورة القتال و احتساب الأجر على الله دون مراعاة أن الخاسر الأكبر من الإرهاب هو مقهور آخر مثلهم تماما و أن المتجبر يكون مستعدا لمغادرة الساحة في حال ساءت الأحوال.

فلنعد إلى التاريخ و لننظر من الخاسر الأكبر في المعارك ضد الإرهاب بل لننظر إلى الحاضر لندرك أن الإرهاب صنيعة و نتيجة و ليس إشكالا مستعصي على ولاة الأمور فبهم تنجلي ظلمات الإرهاب و بهم و بسياستهم تُصنع الجماعات الإرهابية.

أصبح الإرهاب دريعة لتخريب البلدان و شرعنة القضاء عليها و القضاء على حضارات الشعوب و تاريخها, فبإشارة صغيرة نحو مكمن الإرهاب من قبل الغرب و بتضخيم تلك الإشارة من قبل الإعلام تتم الموافقة بالإجماع على ضرب الشعوب و قصف الأطفال و الشيوخ و استباحة النساء.

و لا يفوتنا أن نركز على أن الهوس السلطوي هو سبب كل المشاكل و الحروب و الصراعات التي يعاني منها العالم في كل أطواره  و جميع حقبه التاريخية, و أن الإرهاب مجرد مدخل لتحقيق غاية الإضعاف و التنحية بشكل شرعي و أمام الملأ.

أصبحت سوريا على سبيل المثال لا الحصر بؤرة للقتال و سفك الدماء بدرائع واهية لا يقبلها عقل بشري, لما كان بشار يقتل الأطفال و يشوي المدنيين عن طريق إلقاء براميل مشتعلة عليهم كان الغرب يستنكر دقيقة ثم يغطّ في نوم عميق لأيام ثم يعود بعدها للإستنكار فلما ظهر تنظيم داعش الذي استطاع أن يتوغل إلى أبناء الغرب من النخبة من مهندسين و فزيائيين و رياضيين و مخترعين و متفوقين في مجالات شتى, استفاق الغرب فجأة ليُنبه إلى خطر الدواعش بعدما أحس أن الفكر الداعشي هو المسيطر على نخبة من مواطنيه الذين سينقلون ساحة القتال من سوريا إليه على حد اعتقاده و توقعاته.

داعش حتى الآن بجرائمها في حق المدنيين و حرية المعتقد لا تمثل أي شيء مقارنة بجرائم بشار المتملق و جد مهملة مقارنة بجرائم الغرب نفسه, إلا أن خطرها على الغرب و تضخيم الإعلام الغربي لتعميم خطر داعش على الإنسانية أكسب الغرب شرعية الحرب على التنظيم بمباركة الجميع و بمشاركته أيضا.

إلا أن الخطأ الذي يقع فيه الغرب و المسلمين عامة هو مفهومهم الضيق للداعشية الذي يرتكز على تحديد تنظيم دون آخر و شن الحرب عليه و القضاء على الدواعش الظاهرين في الساحة, و يغفلون الفكر الداعشي الذي أضحى يسري في جسد الأمة الإنسانية و الذي لا يُحارب بالسلاح و القنابل و العتاد الحربي عموما و إنما يُتَصدّى له بالفكر و التعليم و التربية على الأخلاق الحسنة و المبادئ السامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *