آراء

الحكومة تتعسف على 30 ألف متصرف بالمغرب

لحسن بوطيبيمنذ الشروع في مسلسل إصلاح الأنظمة الخاصة لفئات موظفي الدولة والمتصرفون ينادون دون جدوى بتكريس العدالة الأجرية عملا بأحكام الدستور وبالنصوص التنظيمية المحددة لسلالم الاجور بالوظيفة العمومية.

كانت الحكومات السابقة لما تستجيب لمطالب بعض فئات الموظفين من حيث الاجور او التعويضات تتدخل تلقائيا لتحقيق المماثلة بالنسبة للفئات الاخرى وتتحمل في ذلك مسؤوليتها كجهاز يرعى حقوق الجميع وتطبيق المبادئ الدستورية وقواعد القانون.

لم يكن المتصرفون يتوفرون فيما مضى حتى على اي قانون أساسي ينظم مهنتهم ولا على أية جمعية وطنية تتحدث باسمهم ومع ذلك كانت الحكومات السابقة تحقق المماثلة ولو نسبيا.

كانت حين ترفع تعويضات المهندسين على سبيل المثال، تقوم تلقائيا في إطار ارساء العدالة الأجرية بإصلاح نظام تعويضات كل من يشتركون معهم في سلالم الاجور من الأُطر المماثلة كالمتصرفين وغيرهم.

كانت الدولة حريصة على الحفاظ على المماثلة بين الموظفين بانتمائهم لوضعية نظامية موحدة بسلالم اجور وأرقام استدلالية واحدة ولا يختلفون من حيث التعويضات الا بنِسَب ظئيلة موضوعية (كان سابقا الفرق بسيطا بين التعويض التقني والتعويض الاداري ) علما بان الوظائف والمسؤوليات ليست متشابهة.

اما اليوم، فقد ناهز الفرق بين اجر المهندس وزميله المتصرف مبلغ 6000 درهم بعد ان كان لا يتجاوز سابقا 200 الى 300 درهم.

وهذا فضلا عن تعميم احتلال المهندسين والأطر التقنية للعديد من المناصب الإدارية (روساء مصالح موارد بشرية وقانونية وكتابات عامة للوزارات وهلم جرا.)

ما الذي جرى إذن؟ هل الدولة لم تعد بحاجة لكفائة وخدمات الأُطر الإدارية رغما عن شهاداتهم الجامعية من معاهد عليا وطنية واجنبية؟ ام انها عجزت عن تشغيل المهندسين وباقي الأُطر التقنية بالوظائف المناسبة لتخصصاتهم ولذلك تسميهم بوظائف وتكلفهم بمهام المتصرفين؟

ام ان التوجه يروم أصلا عدم وضع الشخص المناسب بالمكان المناسب حتى يوضع بدواليب الادارة مجرد “عمال ” ينفذون التعليمات وليس أطرا يترجمون عمليا ما لقن لهم من قواعد بالمعاهد والجامعات التي تخرجوا منها؟

هذه تساؤلات يفرضها ما طال مهنة المتصرف من سطو مستمر ،علما بان القرار الاداري السليم هو الذي يتولى المتصرف بلورته وصياغته بعد استشارة ذوي الاختصاص التقني حسب المجال المعني وليس ما هو معمول به حاليابالعديد من المرافق والمؤسسات العمومية حيث يستحوذ الإطار التقني على كل الصلاحيات.

لازالت اغلب تلك المؤسسات -ان لم نقل كلها – يديرها مهندسون ولا حظ فيها لخريجي معاهد ومدارس التدبير العليا مع ان هؤلاء لهم -بعد التجربة -اكثر أهلية وكفائة عن غيرهم.

الجاري به العمل حاليا ببلادنا ان هناك لوبيات تسيطر على مناصب معينة ولا تترك لغيرها اي حظ للولوج اليها وكأنها ضيعات خاصة بها. وفي هذا السياق يأتي كنقطة افاضة الكأس التنكر لحقوق المتصرفين حتى في اجر يصون كرامتهم كباقي الأُطر المماثلة.

لما جائتنا الحكومة الحالية بشعارات محاربة الريع والفساد تفائل الجميع خيرا ومع توالي احتجاجات المتصرفين تنديدا بما طالهم من حيف خطير تبين للجميع ان الفساد متجذر حتى النخاع بدواليب الادارة التي من المفروض ان تعطي المثل وتحتل مرتبة القدوة الصالحة.

تتبجح الحكومة بشعار محاربة اقتصاد الريع وتصرف اجورا عالية جدا بمسميات عدة كالتعويض عن التقنية لأشخاص لم يمارسوا في مسارهم المهني أية تقنية تذكر وهم كانوا محتلين “وبدون سند” لمناصب ادارية محضة لاعلاقة لها بتخصصاتهم.

لما تمنح تعويضات بعشرات الملايين من أموال دافعي الضرائب على مهام معينة ينبغي ان تُمارس هذه المهام بذاتها على الأقل وإلا فتلك التعويضات عبارة عن دفع غير مستحق ؟ أليس للمجلس الأعلى للحسابات اي دور في مراقبة هل الاجور تدفع وفقا للقوانين وللأنظمة الخاصة لفئات الموظفين ام انها مجرد ريع من الدولة تمنح للمحضوضين وللجماعات الضاغطة؟ المتصرفون يمارسون على الأقل مهنتهم خلافا للفئات المترامية على حقوقهم وتتولى المناصب والوظائف المخصصة لهم وترفض الحكومة حتى ان يصرف لهم اجر يوازي سلالم اجورهم وكفائتهم.

لا ادري هل هناك اكثر احتقارا وإهانة للمتصرفين في عهد الحكومة الحالية التي زادت الطين بلة بموقفها السلبي والمتعنت.

فلم يخصص رئيس الحكومة لملف المتصرفين ولو جملة واحدة وهو الذي يجيب على كل صغيرة وكبيرة ضمن قفشاته المعهودة حتى على أشخاص ذاتيين.

أصاب بالصمم وبالعمى في ملف يحتقر ويهان فيه 30 الف إطار اداري بأسرهم عبر التراب الوطني مدة اكثر من ثلات سنوات!.

هؤلاء جديرون بالتحية والإجلال على تحليهم بصبر أيوب وعلى حبهم لوطنهم ولملكهم. فليس الاقتطاع التعسفي هو الذي جعلهم مستميتين وملتزمين بعملهم عدة عقود ،بل تلك المواطنة الحرة التي نهنأهم جميعا عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *