خارج الحدود

مريم .. طالبة “الصفر” التي أصبحت رمزا لتحدي الفساد في مصر

في التاسعة عشر من عمرها اصبحت مريم ملاك، الفتاه الصعيدية السمراء المتفوقة دراسيا، رمزا لتحدي الفساد منذ أن بدأت قبل اسابيع معركة بلا هوادة لاثبات تزوير نتائجها في الثانوية العامة التي جاءت “صفرا” في كل المواد.

الطالبة ذات النظارات الطبية السميكة ابنة قرية صفط الخمار الفقيرة في محافظة المنيا التي تظهر دوما في ملابس محتشمة وتربط شعرها الاسود الفاحم خلف رأسها، لم تترك طريقا الا سلكته منذ ظهور النتائج في منتصف يوليو لتبرهن انه تم “تبديل” اوراق اجاباتها بأوراق اخرى “نسبت اليها بالتزوير”.

وكلما اوصد باب امامها استمرت في المطالبة بـ “حقها” باصرار وصلابة الى ان ينفتح باب اخر.

تقول مريم “اشعر انني في كابوس ولا افهم ما يحدث لي”. وتضيف “عندما رأيت اوراق الاجابة المنسوبة لي، لم اصدق عيني فكل ما فيها بضعة اسطر منقولة من اوراق الاسئلة في حين انني بشهادة زملائي والمراقبين في لجنة الامتحانات لم اكن اتوقف عن الكتابة طوال مدة الامتحان في كل مادة”.

الفتاة التي اطلق عليها الاعلام المصري “طالبة الصفر” تتساءل بصوت هادئ “هل يعقل ان احصل على صفر في كل المواد في حين انني في الصف الثاني حصلت في الصفين الاول والثاني الثانوي على 96% و97% هل هذا منطقي؟”.

لا تعرف مريم، التي تحلم بأن تصبح طبيبة مثل شقيقيها، من قام ب”تبديل” اوراقها.

ولكن الطالبة تدرك انها “تحارب الفساد” و”واثقة من ان الحق سيظهر وسيتغلب عليه”.

وقال محامو مريم اكثر من مرة في مقابلات تلفزيونية انهم يتشككون في انه تم استبدال اوراق اجابات ابن مسؤول متنفذ في محافظة المنيا.

طعنت مريم بنتيجتها امام الادارة التعليمية في اسيوط حيث تم تصحيح اوراق الاجابة ولكن شكواها رفضت فتقدمت بطعن اخر امام النيابة العامة التي امرت بتشكيل لجنة من خبراء الخطوط في المدينة نفسها للتأكد مما اذا كان الخط في اوراق الاجابة المنسوبة اليها مطابق ام لا لخطها.

غير ان مريم “انهارت واغمي عليها واضطررنا لنقلها الى المستشفى لافاقتها واعطائها محاليل عندما فوجئت بان التقرير الرسمي لخبراء الخطوط يهدر حقها ويؤكد تطابق خطها مع الخط في الاوراق المزورة” حسب ما يروي شقيقها مينا وهو طبيب شاب في الثلاثين من عمره.

بعد ذلك مباشرة ظهرت مريم في اكثر من برنامج تلفزيوني وفي يدها قنية استخدمت لاعطائها المحاليل في المستشفى ولم تستطع تمالك دموعها.

ورغم ان النيابة العامة اغلقت التحقيق استنادا الى تقرير خبراء الخطوط الا ان الفتاة لم تستسلم وطعنت مجددا بقرار النيابة مطالبة باعادة فتح التحقيق.

وعلى مدى الاسابيع التي تنقلت فيها مريم من مديريات التعليم الى النيابة الى الطب الشرعي باتت قضيتها على كل لسان في مصر واصبحت حديث الصحف وقنوات التلفزيون ولقيت عاصفة من التأييد والتعاطف على شبكات التواصل الاجتماعي حيث شكك كثيرون في تقرير الطب الشرعي الخاص بمريم واطلقوا على تويتر هاشتاغ “انا-اصدق-مريم-ملاك”.

وكتب الناشط خالد عبد الحميد على فيسبوك “هل تذكرون خالد سعيد” في اشارة الى الشاب الذي ضربته الشرطة حتى الموت في الطريق العام في الاسكندرية في يونيو 2010 ثم قال تقرير للطب الشرعي انه توفي نتيجة ابتلاعه “لفافة” من نبات مخدر وهي حادثة تعتبر بمثابة الشرارة التي الهبت ثورة 2011 ضد حسني مبارك.

وازاء هذه الضجة الاعلامية، بادر الوزراء ابراهيم محلب الى استقبالها في مكتبه الاسبوع الماضي واكد في بيان ان “لديه ثقة بلا حدود في النيابة العامة، وأنه سيساند الطالبة في التظلم الذي تقدمت به، وكأنها ابنته، حتى تظهر الحقيقة فإن كان لها الحق ستحصل عليه كاملا وإن لم يكن لها حق سنخبرها بأنها ليس لها حق وبأسباب ذلك”.

وبالفعل قررت النيابة بعد اعادة فتح التحقيق وتكليف خبراء خطوط جدد من القاهرة ب”استكتاب” مريم مجددا للتحقق مما اذا كان خطها مزورا ام لا.

بعد انتهاء مريم من هذا الاستكتاب الجديد في القاهرة الثلاثاء، قال شقيقها مينا امام الصحفيين “مريم واسرتها مستمرون في المطالبة بحقها لاخر لحظة، لن نترك حقها”.

واضاف “نحن حاليا في انتظار تقرير الطب الشرعي واذا جاء لصالحنا كان به ولو لم يأت لصالحنا فنحن سنكمل طريقنا، لنا حق وسنأخذه فالاوراق المنسوبة لمريم ليست اوراقها وما بها ليس خطها”.

وزارة التربية والتعليم اكتفت بالتأكيد على لسان رئيس ادارة الثانوية العامة انها “ستنفذ اي قرار يأتي من النيابة العامة، نحن في الوزارة لسنا مع احد او ضد احد”.

ورغم انتماء مريم الى الاقلية المسيحية في مصر الا انها ترفض ان تضع قضيتها في سياق التمييز الديني.

ورفضت مريم بأدب دعوة من بابا الاقباط تواضروس الثاني لمقابلتها مؤكدة ان “قضيتي هي قضية مواطنة مصرية” بصرف النظر عن ديانتي.

وتابعت “أنا أمثل كل الناس الذين يعيشون في ظلم، لو اخذت حقي في بلدي كل هؤلاء الناس سيطمئنون وسيعرفون ان اي شخص يقع في مأزق بعد ذلك سيحصل على حقه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *