ثقافة وفن

مهرجان خريبكة السينمائي يحتفي بالثقافة الرواندية

في إطار فعاليات مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، تم تكريم الثقافة الرواندية، باعتبارها هوية متجذرة لذاكرة محلية تحمل رسالة كونية. وتزخر رواندا، المحتفى بها بدورة هذه السنة من المهرجان، بتقاليد شفهية قوية كما هو الشأن بالنسبة للعديد من دول إفريقيا، حيث تخظى اللغة والأمثال والأغاني والإيقاعات والرقصات بمكانة بارزة. وهي أيضا بلد يتحرك، حيث العلاقة بين الكلمات والثقافة محددة بتاريخه وتطوره. فخلال عشرين سنة، انتقلت رواندا من شبه غياب إلى حضور مفرط في الإعلام، فأصبحت بذلك ذاكرة الإبادة الجماعية التي ارتكبت في حق التوتسي سنة 1994، ممثلة في أشكال متنوعة من الإبداعات الفكرية والفنية.

هذا الإقبال الدولي المتزايد على القضية ترتب عنه ظهور العديد من الأفلام الوثائقية حول الموضوع، فمنذ مجيء السينمائي الهايتي راوول بيك إلى رواندا سنة 2004، توافد على هذا البلد الصغير العديد من المخرجين من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا ليصوروا أفلاما مطولة، أسست بطريقة أو بأخرى لصناعة سينمائية برواندا.

إلا أن بعض المتتبعين، ومنهم مخرجون شباب، اعتبروا أن موضوع الإبادة الجماعية في رواندا الذي تم تناوله من زوايا مختلفة من طرف العديد من المخرجين من مختلف البلدان قد استنزف، وأن الوقت قد حان كي تتخلص السينما الرواندية من عبء هذا الموضوع وتعنى بمواضيع أخرى.

ومنذ سنة 2010، وبعد ظهور فيلم “إفريقيا المتحدة” بدأت الأمور تتغير، وهو الفيلم الذي يحكي قصة ثلاثة شبان روانديين يشدون الرحال إلى “صويتو” لحضور مباريات كأس العالم التي أقيمت آنذاك بجنوب إفريقيا، وكان بذلك أول فيلم يظهر رواندا الحديثة. وما تزال الصناعة السينمائية في رواندا في مرحلتها الجنينية، إلا أن هذا البلد يزخر بمواهب شابة بإمكانها النهوض بالسينما الوطنية. ومن هذا المنطلق تم التفكير في مشروع السينما المتنقلة كرهان لمواجهة هذا الإشكال ولإبراز مواهب سينمائية جديدة.

وعن بلاد الألف تل، قالت الكاتبة الرواندية سكولاستيك موكاسونكا، “في هذا البلد الزاخر بالتقاليد الشفهية، فإن اللغة هي تلك التي نختارها وتعبر بحق عن تجربتنا الفردية وعن حبنا اللامتناهي”. وأضافت “كتاباتي بمثابة نافذة أو صورة لرواندا، تاريخها وموروثها، ليس فقط من خلال غناها الثقافي وجمالها، بل أيضا من خلال طموحها إلى السلم والوحدة الكامنة بساكنتها”. واعتبرت الأديبة الرواندية أن ما مرت به بلادها كان نتيجة العزلة، “فالانفتاح والتقارب مع دول رائدة بالقارة كالمغرب، يريحنا ويقوينا بشكل أكبر”. وتمتلك مواكاسونكا أسلوبا مشبعا بالتعبير المجازي والحوار البصري والحسي، ينصهر فيه ما هو شخصي بما هو تاريخي بسحر يجعل مما هو رواندي وعالمي يتزاوج في حفل لغة موليير، ليصير غناء وموسيقى التحرير، يكفي فقط قراءته للغوص فيه.

ومن خلال كتاباتها تكرم موكاسونكا روح رواندا، من خلال تصور رجال ونساء متأصلين بأرض وتاريخ وثقافة ببصمات مأساوية وبطولية، إغناء مليء بالوجع وبأرواح ينتهي باستخلاص عبر الماضي لبناء المستقبل بهدوء.

وتتداخل الحياة الشخصية لهذه الكاتبة مع تاريخ بلادها بشكل يجعل فهم الأسلوب والروح التي تنير ريشة الكاتبة تشكل في حد ذاتها عمقا في روح هذا البلد، كما أن أعمالها بحث حقيقي عن الكرامة والرغبة في الرسوخ في الذاكرة والثقافة والموروث الحضاري، لترسم بصمتها على الورق، في محاولة لإعلاء صوتها باسم اللواتي لم يتمكن من القيام بذلك.

وتم بهذه المناسبة أيضا تقديم توليفة موسيقية من التراث الرواندي مع الفنان جول سينتور، مرفوقا بشباب روانديين مقيمين بالمغرب، إلى جانب عرض أفلام رواندية. ويشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان خريبكة 14 فيلما تمثل إلى جانب المغرب، كلا من غانا والسنغال وبوركينا فاسو والجزائر وتونس ومصر وجنوب إفريقيا وأوغندا والبنين والطوغو ورواندا والموزمبيق ومالي، تتنافس على مختلف جوائز المهرجان، وفي مقدمتها الجائزة الكبرى “عثمان صامبين”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *