متابعات

وجهات نظر متباينة بخصوص تقرير لجنة التحقيق في تأخر مشاريع الحسيمة

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على تنصيبها قدمت اللجنة المسؤولة عن التحقيق في تأخير إنجاز مشاريع كانت مقررة بمدينة الحسيمة شمال تقريرها إلى الملك محمد السادس في اجتماع خاص عقد بالرباط يوم  أمس 2 أكتوبر.

التقرير سجل أن المشاريع المبرمجة لم تنجز في الحسيمة ليس بسبب الغش أو اختلاس الأموال المخصصة لها كما راج في السابق وأدى إلى اندلاع المظاهرات والاحتجاجات الشهيرة بحراك الريف، وإنما هو مجرد تأخير بسبب مشاكل بيروقراطية وضعف الدراسات التي تم إعدادها حول تلك المشاريع قبل إنجازها.

التبريرات التي قدمتها اللجنة لم تقنع نشطاء الحراك الذين كانوا ينتظرون محاسبة صارمة للمسؤولين عن تلك المشاريع والتعامل بشكل جدي مع مطالب ساكنة منطقة الريف.

التقرير الصادم

مباشرة بعد رجوع الملك من رحلته الاستشفائية في فرنسا تم استدعاء وزير الداخلية ووزير المالية ورئيس الحكومة إلى القصر الملكي من أجل تقديم التقرير الذي طال انتظاره حول أسباب تأخر إنجاز المشاريع التنموية المبرمجة الحسيمة والتي جعلت سكان المدينة يخرجون للشارع احتجاجاً على ما اعتبروه وعوداً كاذبة بالتنمية.

بلاغ صادر عن الديوان الملكي جاء فيه أنه خلال الاجتماع قدمت اللجنة خلاصات التقارير التي كان قد أمر الملك بإنجازها، والمتعلقة بتنفيذ برنامج التنمية الجهوية “الحسيمة منارة المتوسط”، وهي التقارير التي “همت المسؤولين المعنيين بهذا البرنامج، خلال التنفيذ، بمن فيهم الذين لم يعودوا يزاولون مهامهم في الوقت الراهن”.

المفاجأة التي جاء بها البلاغ تتعلق بكون عمليات التقصي التي قامت بها اللجنة خلصت إلى وجود تأخر وعدم تنفيذ العديد من مكونات هذا البرنامج التنموي لكن مع التشديد على “استبعاد وجود أي عمليات اختلاس أو غش”.

مباشرة بعد ذلك قام الملك محمد السادس بإصدار الأوامر للمجلس الأعلى للحسابات لكي يقوم، في أجل أقصاه عشرة أيام، ببحث خلاصات التقرير وذلك “طبقاً لصلاحيات واختصاصات المجلس في مجال تقييم المشاريع العمومية، فضلاً عن مهامه المعتادة في مراقبة المالية العمومية” يضيف البلاغ الصادر عن الديوان الملكي.

لجنة التفتيش، التي أمر الملك بتشكيلها خلال المجلس الوزاري الذي عقد في يونيو الماضي، بخصوص مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” همّت الفترة الممتدة ما بين 2014 و2016 وجميع المسؤولين المعنيين بهذا المشروع، في جميع القطاعات الحكومية، خضعوا لمساءلة دقيقة همّت الفترة ما بين يناير 2014 ودجنبر 2016، وليس فقط فترة الحراك الشعبي الذي تعاظم مع شهر أكتوبر الماضي.

 

شفافية أم إفلات من العقاب؟

 

ردود الفعل حول التقرير تنوعت بين متفهم لعمل لجنة التفتيش وخلاصاتها وبين مستنكر لما جاءت به معتبراً أن الجبل تمخض عن فأر كون التقرير لم يأت بجديد عكس ما كان منتظراً.

أستاذ العلوم السياسية العمراني بوخبزة، اعتبر أن تكليف الملك لرئيس المجلس الأعلى للحسابات لكي يقوم، في أجل أقصاه عشرة أيام، ببحث هذا الموضوع يهدف إلى مواصلة التحقيق في الاختلالات تفاعلاً مع مطالب “حراك الريف”.

وأشار الباحث إلى أن “الوظائف الجديدة للمجلس الأعلى للحسابات ذات طبيعة خاصة، ولا تقتصر فقط على المراقبة والتدقيق المالي مع السياسيين والمسؤولين؛ بل أيضاً في الوقوف عند الاختلالات وتشخيص كيفية تنفيذ المشاريع العمومية”.

وعن طول مدة التحقيق والتي استغرقت عدة أشهر اعتبر الباحث في القانون الدستوري رشيد لزرق أنها “مدة طبيعية، لأن “الملك ترك المجال الزمني للمؤسسات لتجنب الضغط على مجريات التحقيق، ولتجنب حملات التطهير التي كانت في السابق التي تخالف دولة الحق والقانون”.

وبخصوص عبارة “استبعاد وجود أي عمليات اختلاس أو غش” التي تضمنها بلاغ الديوان الملكي والتي دار حولها جدل كبير على شبكات التواصل الاجتماعي حيث اعتبرها النشطاء بمثابة تبرئة للوزراء والمسؤولين من العقوبات المنتظرة، فإن المحلل السياسي العمراني بخبزة يرى في تصريحه لوسائل إعلام محلية أن “الإخلال بالواجب المهني والمسؤوليات ليس بالضرورة مرتبطاً بالمفهوم التقليدي للفساد المتمثل في الاختلاسات المالية؛ ولكن أيضاً بالحكامة والنجاعة والبيروقراطية التي تعرقل عمل الإدارات العمومية بالمغرب، فالوزير قد يكون حريصاً على المال العام، ولكنه لا يحسن التدبير”.

مشروع سيئ “الحظ”..

مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” الذي أعطى الملك محمد السادس شهر أكتوبر 2015 كان يهدف إلى إنجاز عدد من المراكز الاستشفائية المتخصصة في أمراض شائعة في المنطقة مثل السرطان، وبناء مطار في المدينة، وتهيئة منطقة صناعية، وبناء ملعب كبير لكرة القدم، وإحداث مسبح أولمبي، وقاعة مغطاة بمعايير دولية، إلى جانب بناء مسرح ومعهد موسيقي ودار للثقافة وإنجاز عدد من المشاريع الاجتماعية، الموجهة بالأساس للشباب والفئات الهشة.

كل هذه الأشياء الجميلة بقيت حبراً على ورق حسب أحمد المستاوي، الفاعل الجمعوي في المدينة خاصة فيما يتعلق ما يتعلق بالأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، مضيفاً أن ما تم إنجازه لا يلبي حاجيات السكان، حيث بقيت “مجرد بنايات إسمنتية دون تأهيل للعنصر البشر والتقني، وذلك ما تسبب في تأجيج غضب الريفيين الذين تعبوا من انتظار وعود كاذبة في مجملها” حسب تصريحات المستاوي.

ما سجله الفاعل الجمعوي أكده الملك محمد السادس خلال مجلس وزاري عقد في 26 يونيو الماضي، حيث عبر للحكومة، وللوزراء المعنيين ببرنامج الحسيمة منارة المتوسط، بصفة خاصة، عن “استيائه وانزعاجه وقلقه، بخصوص عدم تنفيذ المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج التنموي الكبير، في الآجال المحددة لها”.
ليقرر بعدها عدم الترخيص للوزراء المعنيين بالاستفادة من العطلة السنوية، ويأمرهم بمواصلة متابعة متابعة سير أعمال المشاريع المذكورة وإنجاز تقارير مفصلة عن سير العمل بها والاختلالات التي تواجهها.

وبعد صدور التقرير الخاص بهذه المشاريع فإن قضاة المجلس الأعلى للحسابات سيشرعون في استدعاء الوزراء وكبار المسؤولين للتحقيق التفصيلي معهم ليكون تاريخ الجمعة 13 أكتوبر موعداً لإعلان أسماء الوزراء و كبار المسؤولين ومسؤولياتهم.

وفي انتظار أجل العشرة أيام التي حددها الملك انطلقت في شبكات التواصل الاجتماعي دعوات لتنظيم مسيرة احتجاجية وطنية يوم 8 أكتوبر احتجاجاً على ما جاء في التقرير واستمرار اعتقال زعماء حراك الريف الذين دخلوا منذ فترة في إضراب مفتوح عن الطعام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *