مجتمع

هل فقدت المؤسسات التعليمية المغربية دورها في السيطرة والحد من العنف داخلها؟

لقي أستاذ بمركز للتكوين المهني بمدينة بركان، نهاية الأسبوع الأخير، مصرعه متأثرا بضربة تلقاها على رأسه بواسطة آلة حادة بينما كان يحاول فض اشتباك بين متدربين أثناء الحصة.

أمس الإثنين، تعرض تلميذ للطعن على يد زميل له وذلك داخل فضاء إحدى الثانويات بمدينة تاونات.​
هاتان الحادثتان تعيدان إلى الواجهة ظاهرة العنف المدرسي، التي تشهدها بالخصوص مؤسسات التعليم والتكوين العمومية، وهو العنف الذي أصبح يتخذ أشكالا مثيرة للقلق سواء للأطر التربوية والفاعلين الجمعويين أو لأولياء أمور التلاميذ.

فقدان السيطرة

رئيس جمعية منتدى الطفولة، عبد العالي الرامي، يؤكد أن العنف الذي أصبحت المؤسسات التعليمية مسرحا له، نتيجة لكون “مجموعة من المؤسسات فقدت أدوارها”.

ويوضح المتحدث، أن “الأسرة فقدت السيطرة على الأبناء ولم تعد تقوم بدورها في تأطيرهم وتكوينهم”، كما أن “الأستاذ فقد السيطرة على القسم”، ما أدى إلى أن “الشارع صار هو الذي يؤطر الأبناء”.

ويتابع المتحدث مبرزا أنه في بعض الحالات يقوم أحد التلاميذ بـ”تأطير” زملائه و”توجيههم”، الأمر الذي ينتج عنه “عنف جماعي”.

ويشير المتحدث إلى “الضغط” باعتباره من العوامل التي قد تؤدي إلى العنف، وهو الضغط الناتج عن عدة أسباب، من بينها “اكتظاظ الأقسام”، والمشاكل الاجتماعية التي يعانيها بعض التلاميذ.

من ثمة يشدد المتحدث على ضرورة توفير “مراكز استماع” داخل المؤسسات التعليمية، كما يشدد على ضرورة “تأهيل” الأساتذة حول طريقة التعامل مع التلاميذ، خصوصا التلاميذ في مرحلة المراهقة.

هذا وينبه الرامي إلى بعض العوامل التي يرى أنها تساهم في “تكريس” ثقافة العنف، ومن بينها، حسب رأيه، “بعض البرامج التلفزيونية” التي “تصور المجرم بطلا”، على حد تعبيره.

سلوك انتقامي

رئيسة الجمعية المغربية للإنصات والتحاور، أمينة بعجي، من جانبها تشدد انطلاقا من تجربتها كأستاذة وكفاعلة جمعوية، على أن “السبب الرئيسي لعنف التلاميذ يتمثل في المخدرات”.

وتوضح المتحدثة أن مجموعة من التلاميذ الذين يمارسون العنف يكونون تحت تأثير المخدرات، وخاصة الأقراص المهلوسة “بحيث يفقدون السيطرة على أنفسهم ويتقمصون شخصية أخرى قوية، قادرة على مواجهة الآخرين والانتقام”.

أيضا تنبه المتحدثة، إلى بعض العوامل التي قد تجعل التلاميذ يمارسون العنف ويعتادونه، كأن يكونوا عرضة للعنف أو شاهدون عليه داخل أسرهم، ينضاف إلى ذلك مشكل “الحرمان” الذي يعانيه بعض التلاميذ والذي قد يترجمونه عبر سلوكات عنيفة.

من ثمة تؤكد بعجي على ضرورة توفير “أخصائيين نفسانيين” داخل المؤسسات التعليمية حتى “يلجأ إليهم التلاميذ ليحكوا لهم عن مشاكلهم ويساعدوهم على تجاوز الأزمات النفسية التي يمرون منها”.

من جهة أخرى وعلاقة بالعنف الذي يمارسه بعض الأساتذة، توضح المتحدثة، أنهم قد وقفوا على حالات “عنف لفظي وجسدي” يمارسه بعض الأساتذة.

وتحذر بعجي من تلك الممارسات التي تكون إما بالضرب أو باستعمال “نعوت قبيحة” في مخاطبة التلاميذ، مبرزة أن “لذلك تأثير قوي على نفسية التلاميذ” ما قد يؤدي بهم إلى “الرغبة في الانتقام”.

ظاهرة مجتمعية

الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، عبد الإله دحمان، من جانبه، يشدد على أن “العنف الموجود داخل الفضاءات المدرسية ومحيط المؤسسات التعليمية ليس عنفا ذا طبيعة مدرسية أو تربوية” مبرزا  أن “العنف ظاهرة مجتمعية”.

وحسب المتحدث فإن “الاختلالات التربوية والأخلاقية والقيمية الموجودة في المجتمع تنتقل بشكل آلي إلى المدرسة”، مبرزا أن المدرسة أصبحت “ضحية لهذه السلوكيات التي يفرضها الواقع المجتمعي”.

ويؤكد دحمان أن “النظام التربوي اليوم يعاني من ظاهرة خطيرة” تلك الظاهرة تتمثل، حسب رأيه، في “الفجوة الموجودة بين المؤسسات التعليمية وبين المجتمع على مستوى وظيفة المدرسة والجامعة والمعرفة والثقافة والتربية بشكل عام”، مردفا أن ظاهرة العنف داخل المؤسسات التعليمية هي “نتيجة لغياب أثر حقيقي للمدرسة على المجتمع ولغياب أثر إيجابي للمجتمع على المدرسة”.

ويتابع المتحدث قائلا إن “المدرسة اليوم مثل الشارع المغربي يقع فيها ما يقع فيه على اعتبار أن الوظيفة الأساسية التي كان من الممكن أن تقوم بها معطلة”.

ويختم دحمان بالتشديد على “ضرورة الانتباه إلى أن هناك نوعا من الاندحار القيمي داخل المجتمع”، مبرزا أنه “للقضاء على الظاهرة يجب أن نعود إلى محاضنها داخل المجتمع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *