متابعات

لماذا يحيط الغموض إلى هذه الدرجة بشخص إلياس العماري؟

ينتصب زعيما لأكبر حزب معارض للحكومة، ينسحب من الحزب، يعود إليه من جديد. يظهر تارة في كردستان، ومرة مع أعضاء بالسلطة الفلسطينية، يبرز شبحه في أحداث “اكديم إزيك”، ويختفي ليعود للبروز مجددا في حراك الريف، هو تارة حقوقي، وتارة سياسي، وتارة إعلامي..إلياس العماري، شخصية يصفها البعض بـ “الغامضة” وآخرون بـ “النافذة”.

رأى النور أواخر ستينيات القرن الماضي في قرية بإقليم الحسيمة، لم يتمكن من متابعة دراسته ولكنه انخرط في النشاط السياسي مبكرا وكان يساريا وقد تعرض للسجن بسبب انتمائه ذاك.

من السياسة مرورا بالعمل الجمعوي وصولا الى الاستثمار في القطاع الإعلامي، تدرج العماري بين مناصب عديدة آخرها رئاسة الجهة، يظهر ويختفي في أوقات مثيرة للجدل وسياقات تطرح كثيرا من التساؤلات. فمن يكون هذا الرجل؟ ما حقيقة نفوذه؟ ما علاقته بمربع الحكم؟ وهل هو رجل سياسة فقط؟

جدل تلو آخر

فاجأ الجميع، شهر غشت الماضي، حين أعلن استقالته من زعامة الأصالة والمعاصرة الذي كان من المساهمين في تأسيسه، وفي الوقت الذي كان الكثيرون يتساءلون عن سبب استقالته ومدى جديتها أبدى هو تشبثه بقراره نافيا أن يكون “ذا طبيعة لحظية أو ظرفية أو أن يكون من قبيل المزايدة في المشهد السياسي”، قبل أن يعود ليفاجئ الجميع مجددا بتراجعه عنها.

من السياسة إلى الرياضة، سيبرز اسم العماري مرة أخرى مرفوقا بكثير من الجدل على هامش المباراة التي جمعت المنتخب الوطني المغربي بنظيره الإيفواري في أبيدجان، ليثير موجة من ردود الفعل بسبب ظهوره في الطائرة التي أقلت المنتخب والوفد المرافق له.

لم تكد تهدأ هذه العاصفة، حتى برز اسم العماري مرة أخرى، وذلك خلال أطوار جلسة الثلاثاء الماضي، لمحاكمة الزفزافي ورفاقه من نشطاء حراك الريف، إذ وجه له أحد أعضاء هيئة الدفاع، وهو المحامي، إسحاق شارية، اتهاما بـ”تحريض الزفزافي ونشطاء الحراك على الملك والبلاد”.

هذا الاتهام يؤكده، عضو هيئة الدفاع عن النشطاء، محمد زيان الذي يقول إن العماري “بالفعل كان يريد أن يرفع من سقف المطالب الاجتماعية ويدفع بأن يكون للحراك مطالب سياسية”، مضيفا أن الأمر وصل حد “طلبه من الحراك الدفاع عن حق تنظيم استفتاء”.

غموض الرجل، يجعل زيان لا يحسم في دوافع الرجل للقيام بما يتهم به “هل كان ذلك في إطار ضد الحراك أو مؤامرة ضد الملك؟” يتساءل زيان ليردف مجيبا “لا أعلم”، قبل أن يستدرك مجددا في إطار الافتراض فقط قائلا “ربما كان القصد هو تبرير القمع خصوصا أنه جاء متزامنا مع بلاغ الأغلبية، ولكن لا أدري”.

في المقابل يستغرب، لحبيب حاجي، وهو الآخر عضو في هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك، وأيضا صديق مقرب للعماري، ما جاء على لسان شارية، مبرزا “أنه هو وآخرون في هيئة الدفاع “لا يتفقون” مع ما قيل، مستبعدا أن يصرح الزفزافي بما يؤكد تلك الاتهامات، “إلياس في وقت معين كانوا يقولون عنه إنه عياش، تابع للنظام، ويسبونه ويعتبرون أنه ساعد المخزن في تدمير المنطقة..اليوم يعتبرونه محرضا؟؟ هذا تناقض” يقول حاجي مستغربا.

ولكن، بغض النظر عن هذه الواقعة، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها اسم العماري وربطه بملف حارق، فهناك “سوابق” مماثلة أبرزها ملف “اكديم ازيك”، بشكل يدفع للتساؤل بقوة عما إذا كان الأمر مجرد صدفة أم شيئا آخر؟

العماري هنا..العماري هناك

في مناسبات كثيرة ارتبط اسم إلياس العماري بشكل متكرر بملفات مثيرة للجدل، من أحداث “اكديم ازيك” إلى أحداث الريف، في الداخل والخارج يحضر العماري ويغيب على نحو غير متوقع مثيرا جملة من التساؤلات.

حضوره المكثف في تلك الملفات حسب حاجي، يرجع إلى عدة عوامل بعضها مرتبط بشخصية العماري كشخص “له قدرة على الفعل والتواجد والتأثير”، وبعضها الآخر بما يصفه بـ”رغبة البعض في الحصول على الشهرة على حسابه”، بينما يرى زيان أنه “مرتبط بصداقاته وأصدقائه في الحكم” مضيفا أن “على هؤلاء إما أن يتبرؤوا منه ويقولوا إنه مجرد شخص أحمق ليست له صلة بنا، أو يدافعوا عنه ويقولوا إنه عنصر من عناصر أمن الدولة”.

من كان ليتصور أن العماري الذي ولد في قرية صغيرة بالحسيمة لأسرة بسيطة، سيصبح في وقت ما من المحسوبين على مربع السلطة؟

تدرج في مناصب عديدة، ولكن اسمه برز بشكل كبير بعد زلزال الحسيمة عام 2004، كان يتحرك هنا وهناك، بين مختلف النشطاء والفاعلين، يواسي الضحايا ويخاطب المسؤولين، فكان أن ساهمت تلك الواقعة في صعود نجمه.

سيبرز اسمه أكثر بعدها عندما ساهم إلى جانب آخرين أبرزهم زميل دراسة الملك، والمستشار الملكي حاليا، فؤاد عالي الهمة، في تأسيس “حركة لكل الديمقراطيين” التي ستتحول إلى نواة حزب جديد اسمه “الأصالة والمعاصرة”.

في سياق الحديث عن مساره يشير الباحث في العلوم السياسية، عبد المنعم لزعر، إلى ثلاثة مراحل أساسية، المرحلة الأولى “مؤطرة زمنيا من لحظة ولاية اسم إلياس العماري كفاعل سياسي إلى لحظة انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة”، وخلالها كان “يتحرك تحت تأثير سلطة الرأسمال الضمني، لأنه كان يشتغل في الظل وكانت سلطته ونفوذه وقراراته تتغذى من مشاتل ومنابت نظرية الغموض في السياسة”.

المرحلة الثانية، هي المرحلة بين انتخابه أمينا عاما للحزب وإعلان استقالته، حيث “تمت إعادة اكتشاف اسم إلياس العماري كفاعل سياسي وأصبحت طاقة المشهد السياسي والحزبي موزعة بين اسمين؛ اسم عبد الإله ابن كيران واسم إلياس العماري”.

أما المرحلة الثالثة، حسب المتحدث، فهي الممتدة من لحظة تراجع العماري عن استقالته إلى اليوم والتي عرفت “ولادة شخصية ثالثة لزعيم الأصالة والمعاصرة تتحرك بين الضمني وبين الصريح، بين الرغبة في الظهور والرغبة في عدم الظهور” على حد وصفه.

وإذا كان البعض يربط مسار الرجل والمناصب التي شغلها ويشغلها، بكثير من الأحداث المثيرة للجدل، فإن أستاذ القانون الدستوري بجامعة وجدة، بنيونس المرزوقي، يرى خلاف ذلك، حيث يقول إن “هناك نوع من التضخيم في بعض الأحداث الفجائية” التي يستبعد أن “شخصا من هذا النوع وبهذا المسار قد يسقط فيها”.

كما أن حتى ما يثار عن قربه من جهات عليا في نظر المتحدث ليس مبررا بدوره ليكون اسمه حاضرا في تلك الأحداث، إذ يؤكد أن “وضعيته وقربه أو عدم قربه من الدوائر العليا بصفة عامة لا يسمح له بالظهور بل بالعكس، هذا الأمر يجب أن يكون حافزا على الحذر وليس على التورط في هذه الأحداث”.​

قربه من مربع الحكم؟

كثيرا ما يتم الحديث عن علاقة العماري بمربع الحكم، ولكن ما مدى صحة ذلك؟

صديقه، لحبيب حاجي يؤكد تلك العلاقة وهو يتحدث عن مساره إذ يقول “أقدر أنه في وقت ما كيساري تمكن من أن يصل ويخترق المربع الملكي ويصبح له أصدقاء من المقربين من الملك كفاعل سياسي”.

في المقابل يتحدث، النائب البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، عن علاقة تجمع العماري بما يصفها بـ”جهات يحركها أحد أركان الظلامية في الدولة العميقة والمارقة على القانون” على حد تعبيره.

العماري الذي بدأ في السياسة كمناضل يساري هو بالنسبة لأفتاتي “ممن قلبوا المعطف”، مبرزا أنه طرف في “مشروع”، جاء، حسب رأيه، بهدف “مواجهة حزب العدالة والتنمية والأحزاب المستقلة عموما وذاكرة الخطابي والقضاء على المؤسسات والشخصيات المستقلة لوضع اليد على المجتمع”.

فحاجي يرى فيه الإنسان “الخلوق، الشهم، الطيب المتواضع، المثقف، والسياسي الخارق” و”فاعل الخير” الذي “يلجأ إليه أحيانا حتى من يهاجمونه ولا يصدهم”، في حين يعتبر أفتاتي أن الرجل “أُعطي حجما أكبر من حجمه”، إذ يصفه بـ”الكركوز” الذي “لا يملك شيئا” والذي “تتحكم فيه جهات معينة” دون أن يحددها بالاسم.

قيل عنه الكثير، وكتب عنه الكثير، بين مديح مقربيه وانتقاد معارضيه، تتعدد وتختلف الوجوه التي يمكن رسمها لهذا الرجل بشكل يدفع للتساؤل إن كان حقا غامضا أم واضحا أكثر من اللازم؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *