المغرب الكبير

الرئيس التونسي يُعلن القطيعة مع حركة النهضة

فاجأ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الأوساط السياسية في البلاد بإعلان فك الارتباط، والقطيعة التامة مع حركة النهضة الإسلامية، برئاسة راشد الغنوشي، وتحميلها مسؤولية هذا القرار في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به تونس، وذلك في خطوة تفتح الأبواب على مصراعيها أمام أسئلة تعيد إلى الأذهان مشاهد الاصطفاف السياسي.

وفي إطلالة على تلفزيون محلي، اختار توقيتها بدقة، أعلن السبسي مساء الاثنين، انتهاء التوافق الذي بدأ مع حركة النهضة منذ 2013، وذلك في تطور من شأنه إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد التي تتهيأ لانتخابات تشريعية ورئاسية في خريف العام المُقبل.

وقال إن “العلاقة مع حركة النهضة انتهت منذ الأسبوع الماضي، ولا يوجد حاليا توافق بيني وبين راشد الغنوشي”، لافتا في هذا السياق إلى أن قيادة حركة النهضة “اختارت طريقا آخر”، وذلك في إشارة إلى تمسك حركة النهضة بما تصفه بـ”الاستقرار السياسي والحكومي”.

ويُفهم من كلام الرئيس السبسي أن حركة النهضة اختارت الاصطفاف إلى جانب الشاهد والمراهنة عليه خلال المرحلة القادمة، وذلك وفق حسابات مُرتبطة أساسا بالانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر تنظيمها في العام 2019.

وتستند حركة النهضة في هذا الرهان على نجاح الشاهد في كسب معركته مع حافظ السبسي، نجل الرئيس السبسي، الذي يطالب برحيله، حيث استطاع استنزاف حركة نداء تونس، وتجريدها من أكثر من نصف كتلتها النيابية، ليُصبح رئيس الحكومة بذلك رقما له وزنه في المعادلة السياسية الراهنة بعد أن أصبح له حزام برلماني يتألف من أكثر من 40 نائبا.

لكن هذا المعطى قد لا يُفسّر وحده إقدام السبسي على إنهاء التوافق الذي باتت أغلبية القوى السياسية في البلاد تصفه بـ”المغشوش” باعتبار وجود عوامل أخرى أكثر أهمية كان لها كبير الأثر في إدراك خطورة هذا التوافق على صورته، وعلى تماسك حركة نداء تونس.

وتسبب هذا التوافق الذي تواصل لأكثر من خمس سنوات، في تشوه المشهد السياسي في البلاد، إلى جانب تصدع أركان حركة نداء تونس التي أسسها السبسي في 2012 بهدف تحقيق التوازن في المشهد السياسي بعد تغوّل حركة النهضة.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة التي لم تكن مُتوقعة في هذه المرحلة بالذات رغم فتور العلاقات بين الشيخين، السبسي والغنوشي، ستكون لها ارتدادات سياسية على مجمل المشهد السياسي في تونس، وتدفع نحو عملية تشكل مشهد سياسي جديد، على وقع المخاض الذي يوصف بالأصعب في تاريخ البلاد.

وتستند هذه القراءة التي بدأت ترتسم في مواقف غالبية القوى السياسية، إلى اعتراف السبسي في حديثه التلفزيوني بأن تونس تمر حاليا بأزمة أسوأ بكثير من الأزمة التي عرفتها خلال 1986 التي انتهت بالإطاحة بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 7 نوفمبر 1987.

ومع ذلك، تباينت الآراء واختلفت في توصيف أبعادها، في سياق الاصطفافات السياسية الجديدة بمُعادلاتها التي تتغير بالفرق الذي أحدثته الحسابات المُتقلبة قبل وبعد هذه الخطوة التي تُشير بشكل واضح إلى دخول البلاد في مرحلة جديدة تتسم بإعادة الفرز السياسي في مسعى لمحاصرة الأجندات والأهداف العلنية والمخفية لحركة النهضة.

وفي هذا السياق، اعتبر النائب البرلماني الصحبي بن فرج، أن ما أعلنه الرئيس السبسي يؤكد نهاية التوافق الذي كانت له نتائج سلبية على صورة الرئيس السبسي، وتداعيات كارثية على حركة نداء تونس، ويؤشر إلى بداية مرحلة جديدة ستتضح ملامحها خلال الفترة القادمة.

وقال بن فرج لـ”العرب”، إنه من الواضح أن أسباب هذه القطيعة ناتجة عن عدم الوصول إلى تفاهمات بين السبسي والغنوشي حول ما يجري في البلاد، خاصة بعد المعركة التي وصفها بـ”الانتحارية والعبثية” التي استهدفت تنحية الشاهد، مُعربا في المقابل عن أمله في عودة التوازن البرلماني والسياسي في البلاد، للخروج من الأزمة الراهنة.

ويُشاطر هذا الرأي المراقبون الذين ربطوا هذه القطيعة بعلاقة الغنوشي مع الشاهد التي يرى فيها السبسي تعارضا مع سياسته ورغبته في استبدال الحكومة، بالإضافة إلى محاولة حركة النهضة فرض شروطها منذ فوزها في الانتخابات البلدية التي جرت في مايو الماضي.

وتُحيل هذه الأسباب وعناصر المشهد الذي أنتجته إلى تأكيد فشل ما تدعيه حركة النهضة من توافق مع الرئيس السبسي، واستمرارها في سياسة الابتزاز والتوظيف التي دقت ناقوس الخطر لدى مختلف الفاعلين السياسيين الذين حذروا من مخاطرها على الأوضاع العامة وعلى المسار الديمقراطي في البلاد.

ويؤكد المُحلل السياسي خالد عبيد هذه القراءة، حيث قال لـ”العرب” إن إعلان القطيعة مع حركة النهضة، هو “إقرار بأمر واقع، ذلك أن التوافق انتهى منذ أن دخلت البلاد في منعرج الاصطفافات التي تسبق الانتخابات القادمة”.

واعتبر أن هذا التطور سيدفع باتجاه بروز مصطلحات سياسية جديدة، منها “التعايش المُضطر أو المُكره”، لافتا إلى أن حركة النهضة لن تقبل بسهولة نهاية التوافق، لأن مصلحتها مُرتبطة به في سياق حساباتها، وخاصة منها تلك المُرتبطة بالتسويق لصورتها الجديدة داخليا وإقليميا ودوليا.

وبدا واضحا أن هذه القطيعة قد أحرجت حركة النهضة، التي سارعت إلى التنصل من الاتهامات التي وجهها لها الرئيس السبسي، بأنها اختارت إنهاء التوافق معه، وذلك في خطوة كشفت حجم الارتباك الذي باتت تشعر به في علاقة بتداعيات هذا التطور اللافت على حساباتها وموازين القوى في البلاد.

وسعت إلى التقليل من تلك الاتهامات، والتأكيد على أنها ما زالت تتمسك بالتوافق معه، حيث أشارت في بيان لها وزعته، الثلاثاء، إلى أن “الاختلاف في وجهات النظر حول عدد من القضايا التي تعيشها البلاد وفي مقدمتها الاستقرار الحكومي، لا يعني تنكرها للعلاقة المتينة التي تربطها بالرئيس الباجي قائد السبسي”.

وجددت في بيانها التأكيد على “التزامها بمسار التوافق مع الرئيس السبسي”، فيما اعتبر رفيق عبدالسلام، صهر الغنوشي، أنه “لا يفهم من كلام الرئيس السبسي، أي دعوة للقطيعة مع النهضة”، وأن السبسي “يبقى محل تبجيل واحترام في شخصه وموقعه ودوره التاريخي”.

وبالتوازي مع ذلك، وصف عبدالحميد الجلاصي، القيادي في حركة النهضة، ما ورد على لسان السبسي بأنه “خطاب الأبواب المفتوحة الذي يجب أن يُقابل بالأيادي المفتوحة من الجميع″

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *