خارج الحدود

محمد بن سلمان وبشار وسيف الإسلام وجمال .. هل انتهت خرافة “الحاكم الشاب المصلح” على أيديهم؟

«انتهت عملية الإصلاح التي يقودها الأمير محمد بن سلمان بمقتل الإعلامي السعودي البارز جمال خاشقجي بمقر قنصلية بلاده في إسطنبول»، كانت هذه إحدى النتائج التي خلصت إليها وسائل إعلام غربية مع تصاعُد الاهتمام بقصة القتل المروعة.

الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان كان من بين الكُتاب الذين خلصوا إلى أهمية عدم الوثوق بولي العهد السعودي ووعوده مرة أخرى. افتُتَِنت دول غربية كثيرة بالأمير الشاب كوجه إصلاحي يستطيع أن يأخذ بلده المحافظ إلى الحداثة، إلا أن رولا خلف نائبة رئيس تحرير صحيفة The Financial Times البريطانية تطرقت في مقال لها إلى خرافة المصلح العربي الشاب التي من بينها ولي العهد السعودي.

قمعيون لا إصلاحيون
تقول خلف: عندما يخفت نجم الحاكم العربي العنيد الأكبر، يصعد نجم الابن الصغير ذي النظرة الحديثة. ثم يأمل الشعب، الذي ليس لديه كلمة في المسألة برمّتها، أن الابن سوف يكون أفضل من أبيه. وتقنع الحكومات الغربية نفسها بأنه سوف يكون كذلك، وينهضون لمساعدته لتحقيق حالة نجاح. بحسب خلف، فقد ظهر هذا الشاب بأسماء مختلفة: السوري بشار الأسد (ابن حافظ الأسد الرئيس السابق الذي حكم سوريا لمدة طويلة)، والليبي سيف الإسلام القذافي (ابن معمر القذافي)، والمصري جمال مبارك (ابن الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك)، والأحدث في هذه السلسلة: السعودي محمد بن سلمان (ابن الملك سلمان). وعلى اختلاف درجات حماستهم، رُوِّج لهم جميعاً وامتُدِحوا في العواصم الغربية.

لكنَّهم أثبتوا جميعاً تشابهاً واضحاً، وهو أنهم قمعيون تماماً وأحياناً يكونون أكثر دموية. وبحسب رولا، يبدو أنَّ ذلك أيضاً هو وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، صاحب الـ33، الذي استهلَّ قيادته بصورةٍ أكثر تطوُّراً من القمع في الماضي من أجل شن حرب شاملة ضد أي شخص يعارضه.

كان أحد الضحايا المحتملين لقبضة محمد بن سلمان هو الصحافي والناقد السعودي جمال خاشقجي، الذي اختفى قبل أسبوعين بعد زيارة قنصلية بلاده في إسطنبول. أثار اغتياله موجة احتجاجٍ دوليٍ وحداداً رسمياً من جانب المؤسسات الغربية التي صدقت أسطورةَ أميرٍ مصلحٍ.

تجربة جمال مبارك
تستعرض خلف، في مقاله بالصحيفة البريطانية، بعض النماذج الأخرى، وأشارت إلى أنه قبل مدة طويلة من افتتان الغرب بالأمير محمد، كانت هناك حالة رومانسية مع جمال مبارك.

وتقول إنها تذكر الدبلوماسيين الغربيين في القاهرة وهم يقولون إنَّ جمال كان الشخص الأنسب لخلافة الأب حسني مبارك، بغض النظر عن حقيقة أن النظام في مصر ليس ملكياً، أو أن جمال، الذي عمل من قبل في الاستثمار المصرفي، لم يُظهر سوى قليل من السمات التي تجعله أحق بشغلِ أعلى منصب في البلاد. وفي نهاية المطاف، تسببت الحاشية الفاسدة المحيطة بجمال في نفور المؤسسة العسكرية وأذكت حالة الاستياء الشعبي من أبيه. وعندما اندلعت الثورة في 2011، وجد الشعب والجيش قضية مشتركة بينهما، فأُطيح بمبارك.

وتضيف خلف: كان الأسخف من هذا انبطاح الدبلوماسيين والشركات أمام سيف الإسلام، الابن الأنيق والمتحدث بالإنكليزية للديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي. وعندما نهض الليبيون ضد القذافي، ظهر سيف الإسلام مقاتلاً، ليبُث نفس السموم التي كان يبثها والده. وتعهَّد في خطابٍ مع بداية الثورة الشعبية الليبية في عام 2011، بأنَّ النظام «سوف يقاتل حتى آخر رجل، وآخر امرأة، وآخر رصاصة».

خلف استعرضت أيضاً في مقالها نموذجاً آخر في سوريا، وقالت إنها تتذكر في الأيام الأولى لحكم بشار الأسد، طبيب العيون المتزوج من امرأة فاتنة، كيف جذب انتباه القادة الأوروبيين، وأغراهم لتصديق أنَّه مستعد أن يجعل سوريا العدوانية أكثر قبولاً. ولكن بعد عقدٍ من هذا، كان بشار يواجه ثورةً شعبية بشَرٍّ فظيعٍ، جعل دموية أبيه تبدو لينةً مقارنة به.

أكثر استبداداً من الآباء
وتضيف: حتى في المناطق الأكثر تنويراً من الشرق الأوسط، كان الجيل الأصغر من الحكام أكثر استبداداً من آبائهم. إذ إنَّ أبناء حاكم الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي حظي باحترام كبير، لم يُظهروا أياً من التسامح الذي عُرف عن أبيهم.

وتعزي خلف ما أطلقت عليه خرافة المصلح العربي الشاب، إلى اعتقاد بأنه في الشرق الأوسط غير الديمقراطي، يُعَد الاستمرار مهماً، ويعتبر التغيير خطراً جداً (وهو موقف غربي عززته الفوضى التي أعقبت الربيع العربي)، فضلاً عن الجاذبية الكامنة في رؤية حكام جدد يتحدثون عن الإصلاحات، حتى إن كانوا يعملون على استدامة نظامٍ يفتقر إلى الشفافية والمساءلة.

تضيف خلف: صحيحٌ أنَّ الشباب يجلبون مزيداً من الطاقة، لكنَّ فاقدي الخبرة يمكنهم أن يوجهوا هذه الطاقة في الاتجاه الخطأ، ويُضاف انعدام الأمان إلى غياب الخبرة، إذ إنَّ حاجة الأبناء إلى تعزيز سلطاتهم تقودهم إلى تهميش المستشارين القدامى. فيحكمون بقواعد سلطةٍ أضيق، ويضطرون إلى الاعتماد على الغرائز المضطربة.

وتختم خلف مقالها قائلة: لطالما كان خطأ المؤسسات السياسية الغربية المتكرر هو الخلط بين الشباب والالتزام بالتغيير، والافتراض بأن الحكام الشباب الذين يسافرون إلى الخارج، ويُظهرون اهتماماً بالفن والعالم الرقمي، سيتصرفون بمسؤوليةٍ على الأرجح. من المحزن أنَّ الشرق الأوسط يُظهر أنَّ اللمسة العصرية يمكنها الانسجام مع الدموية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *