ملفات

وهن الأحزاب .. بين الدور الواعد والأمل المفقود

“ماذا أعددتم من نخب وبرامج للنهوض بتدبير الشأن العام؟”، هذا مقتطف من خطاب الملك محمد السادس قبل خمسة أعوام، وتحديدا خلال افتتاحه دورة الخريفية للبرلمان في أكتوبر 2014، ومنذ ذلك الوقت وإلى وقتنا هذا مازالت تتعدد وجهات نظر الأحزاب السياسية وحركيتها داخل المشهد السياسي المغربي، حيال بسط مقاربتها وتصوراتها في الميدان، للجواب على سؤال جلالته، الذي وجّهه إليها، فبقي الأمر محتاجا لجواب عملي يتجاوز منطق الشعارات إلى منطق الالتصاق بهموم وتطلعات أبناء الشعب، وخصوصا فئته الشابة، والرفع من قدراتها لتنمية الوطن وسط خطاب التفاؤل وبعيدا عن خطاب التيئيس والنظرة السوداء لواقع الحال الاقتصادي والاجتماعي، الذي ليس بلدنا فيه نشازا، إنما هو بلد واعد يتقدم نحو النموذج التنموي الجديد بكل روية وثقة بالنفس.

منذ مدة اندلعت حرب التصفيات الحزبية في صفوف حزب الأصالة والمعاصرة، الحزب الثاني انتخابيا والمتزعم للمعارضة، وبدأ الإخوة المتصارعون بإعلان قوائم المطرودين من الطرف الآخر، في “حرب تنظيمية” ربما هي الأولى من نوعها في الحياة الحزبية، التي أصلا يسودها الترهل والكساد. ففي وقت كان من المفروض تقوية دوره السياسي في تقويم اعوجاج الحزب الأغلبي، الذي أظهر ضعفا كبيرا في امتلاك الجرأة السياسية في معالجة قضايا تنموية ذات بال، ويدعم كل الجهود الملكية لتأسيس النموذج التنموي الجديد، قفزت الصراعات الحزبية وسط أكثر من حزب، وباتت لقاءات الأحزاب حلبات ملاكمة وصراع أجهزت على الدور النبيل للسياسة، والمعاني الراقية للفعل الديمقراطي الذي كان عليه أن ينتج لنا ممارسة سياسية بالميدان بعيدا عن المزايدات السياسوية المقيتة. لم يعد الحزب المتزعم للأغلبية الحكومية حزبا يتحمل مسؤوليته في التسيير، لأنه رغب في لعب دور جديد مخالف لأعراف وتقاليد السياسة، فأراد أن يكون حزبا معارضا من جلباب الحكومة، وضع رجلا في التسيير وأخرى في المعارضة، في وقت كان عليه أن يقوي أغلبيته الحكومية ويتحمل مسؤوليته السياسية، فاختار للأسف أن يجهز على كل فعل نبيل للممارسة السياسية، ويقمع أحزابه الحليفة من منطلق حزبي مقيت..فانشغل بحروب صغيرة بدل طرح بدائل اقتصادية واجتماعية داعمة للمشروع الملكي الواعد.

لم يصل ضعف الأحزاب السياسية إلى مداه كما وصل اليوم مع حكومة الإسلاميين، ولم تعرف السياسية هذا الشكل الذي كان سابقا يقتصر على الإبعاد عن المناصب القيادية أو الضغط للدفع بالطرف الآخر للخروج من الحزب، للاعتزال المؤقت أو الانشقاق وتشكيل حزب جديد، ليصل هذا الصراع الحزبي إلى انحطاط أجهز على الأعراف والتقاليد النبيلة لممارسة سياسية كان من المفترض أن تسير جنبا إلى جنب مع تطلعات رئيس الدولة وملك البلاد، وتنهض لاستقطاب كفاءات جديدة وتعمل على إعادة الثقة للشباب في العمل السياسي النبيل.

يعكس انحطاط الظاهرة الحزبية كبنية تقليدية، وإن كانت تضم وسطها شبابا، نفسا سلبيا بسبب هرم وشيخوخة القيادات على مستوى إنتاج الأفكار والمبادرات. لم تشأ البنية الحزبية أن تتفاعل مع الملك، وتعمد إلى ضخ دماء شابة وجديدة بداخلها، بطاقات تمتلك رؤى وأفكارا جديدة وجرأة في الميدان. لقد بات من المستعجل والضروري أن تنزع الأحزاب لباسها القديم، وتلبس لباسا جديدا، تستطيع به أن تمثل الشعب تمثيلا سليما يمكنها أيضا من التواجد الفعلي في المجتمع، للنهوض بقضاياه الاجتماعية، وكذا تقويم وضعيته الاقتصادية التي تزداد تأزما في ظل ضعف أداء الحزب الأغلبي الذي بات واضحا مع حكومة السيد سعد الدين العثماني.

نحتاج اليوم أمام نداءات الملك محمد السادس المتكررة للأحزاب السياسية، ودعوته إلى “ضخ دماء جديدة في هياكلها، لتطوير أدائها، باستقطاب نُخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمَل السياسي”، إلى تغيير في نمط السياسة ومقاربتها وسط الأحزاب لتتحول لقاءاتها الوطنية ومؤتمراتها إلى أوراش للتفكير الإستراتيجي وتقديم بدائل عملية من أجل دعم المشروع التنموي للمغرب في حلته الجديدة، وأن تستفيق الأحزاب أيضا من سباتها وتمارس على نفسها نقدا ذاتيا، وتبتعد عن نظرية المؤامرة وتحميل الدولة مسؤولية إضعافها، فالله تعالى قال في محكم تنزيله: “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

اليوم يجب على الأحزاب أن تجدد نخبها، فهذه الممارسة هي الضامن الأساسي لاستمراريتها وسلامة جسمها الحزبي المترهل والضعيف، حتى تساهم في تنمية الديمقراطية بمفهومها الجديد الذي يتطلع له الملك محمد السادس، لأن الواقع الحالي يحتم عليها تجديد هياكلها ونخبها الفكرية والاقتصادية الثقافية لتعيد الأمل المفقود، بعد أن أصبح الشباب لا يثق كثيرا في الممارسة السياسية التي تجعل من الانخراط في الأحزاب سبيلا للوصول إلى مكاسب شخصية لا أقل ولا أكثر، فباتت تعيش تحت رحمة زعماء متمسكين بالكرسي أكثر من تمسكهم برهانات التنمية وتقوية الاقتصاد والدفاع عن ثوابت البلاد ومصالحها الحيوية، بعيدا عن الدفاع عن الامتيازات والمصالح الخاصة التي تفقد العمل السياسي نبله ورقيه؛ فهل نرى أملنا يتحقق ولو بعيد حين؟ نتمنى ذلك من كل أعماقنا.

عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *