مجتمع

المقاهي المتنقلة في أكادير..فكرة دفع إليها الإصرار والحاجة

تتعدد البرامج التي تطلقها الحكومة بين الفينة والأخرى من أجل تحفيز الشباب على خلق المشاريع، لكن، كثيرا من هؤلاء الشباب صار يفكر جديا في اللجوء إلى الإبتكار والانطلاق من الجهود والإمكانيات الذاتية من أجل الخروج من عنق زجاجة البطالة، بدل السكون والانتظار.

كغيرها من مدن المملكة، تعرف أكادير زيادة في عدد العاطلين والباحثين عن فرص عمل. سوق الشغل تعرف نوعا من التضخم وزيادة الطلب وضعف المعروض، ولم يعد أمام أغلب الباحثين عن العمل،  إلا البحث عن فرص انطلاقا من الكفاءة الفردية والحلول مبتكرة.

أسفرت عقول كثير من شباب مدينة الإنبعاث عن إطلاق مشاريع ذاتيه، وعلى غرار مدن كثيرة في المغرب، أطلق كثيرون هنا مشروع المقهى المتنقل، حيث ترى وأنت تتجه إلى المداخل الرئيسية للمدينة، أو في الطريق المتوجهة إلى مطار المسيرة، تلك السيارات التي حولها أصحابها إلى مقاهي متنقلة، تقدم لزبائنها مشروبهم المفضل.

جريدة “مشاهد” اختارت أن تجرب خدمات إحدى هذه المقاهي المتنقلة عن كثب، فنزلنا ضيوفا لدى (مصطفى-ح)، رب أسرة، وهو رجل سبق له أن زاول عدة مهن، وعاش أغلب سنين نشاطه لا يعرف إلا مهنة السياقة. وأثناء حديثه إلينا، قاطعنا صوت زبون توقف بسيارته عن قرب، ليسرع مصطفى بكل انشراح إلى سؤاله عن طلبه، قبل أن يقدم له كوب قهوة. مشهد اعتاد عليه منذ أن اختار النزول بسيارته إلى الطريق لا للمسير، بل للتوقف على رصيف الطريق الوطنية رقم 1، على مستوى المسار الممتد بين أكادير وتيكيوين.

إرتأى مصطفى الحديث عن الأسباب، فسمعنا منه، ليتحدث عن بدايات التفكير في مشروعه. الفكرة -كما يقول مصطفى- جاءت بسبب الظروف الإقتصادية التي يعيشها أغلب المغاربة، فقد دفعته قلة الحيلة، وإلحاح الظروف الإجتماعية والإقتصادية إلى الخروج بسيارته المحملة بالة عصر القهوة، ليحول السيارة إلى مقهى متنقل.

يقول مصطفى أنه في بداية مشروعه، وفتحه للمقهى المتنقل، لم يتسلح إلا بالتوكل على الله، وبرأسمال بسيط، رغم أنه لم تكن له أبدا سابقة في مجال العمل في المقاهي، وقال إن جل ما اكتسبه من معلومات أولية في المجال كان من أصدقائه المقربين.

ويرى مصطفى أن المقهى المتنقل لا يختلف كثيرا عن المقهى العادي، فيما يخص جذب الزبناء، فالأمر في النهاية لا يعتمد إلا على حسن المعاملة، وجودة الخدمة التي يقدمها المقهى المتنقل، وأنه في الفترة التي قضاها في هذا المكان، وهي ثلاثة أشهر، استطاع خلق نوع من الزبناء المخلصين لخدماته، أو كما قال: “يذهبون ويعودون”.

وتحدث مصطفى عن أسعار الخدمات التي يقدمها خصيصا، وقال إن هذه الأسعار خاضعة مبدئيا لسعر موحد من قبل جميع أصحاب المقاهي المتنقلة على صعيد المنطقة، وأما عن سبب وجود سقف موحد للأسعار، فإن مصطفى قال أنه لا يمكن الرفع من هذا السعر، ولا النزول عنه، فالرفع يعني فقدان الزبناء، فيما النزول عنه يعني الدخول في نطاق الخسارة. وفيما يخص السعر -أيضا- يرى مصطفى أن أسعار خدمات المقاهي المتنقلة تعتبر بسيطة، وأنه رغم الغلاء الذي تعرفه المواد التموينية مؤخرا، إضافة إلى تكاليف المشروع الثابتة، كوثائق السيارة، فإن أسعار خدمات المقاهي المتنقلة تظل ثابتة.

وقبل توديعه، أرشدنا مصطفى إلى زميل في المهنة، شخص على نفس المسار، تفصله ربما مئات الأمتار عن سيارته، كان لنا بعد ذلك بدقائق أن نتوقف عنده، استضافنا بحفاوة، وتحدث إلى مشاهد بكل أريحية.

يحكي عبد الكبير، وهو رب أسرة من تيكيوين، لمنبر مشاهد كيف دفعته الظروف الصحية، بحكم أنه يعاني من تبعات حادثة شغل، ثم الاجتماعية والاقتصادية لأن يحول سيارته إلى مقهى متنقل، ويرى عبد الكبير أن فكرة إنشاء مقهى متنقل فكرة بدأت تنتشر لدى الشباب، للأسباب ذاتها التي دفعته ودفعت غيره إلى مزاولتها.

وبالنسبة للبدايات، فإن عبد الكبير لخص الأمر في أن الظروف الإقتصادية، وإلحاح المصاريف تدفع الشخص دفعا إلى ولوج أي مجال، فهو -كما يقول- لم تكن لديه أي خبرة سابقة بمجال المقاهي، إلا أنه قرر الاعتماد على نفسه، وبدأ مشروعه، رغم انه اضطر في البداية إلى اللجوء إلى الاقتراض من أجل الحصول على المعدات الأساسية لإطلاق مشروعه.

ويتفق عبد الكبير مع زميله مصطفى، في أن المقهى المتنقل يخضع في جانب بناء قاعدة مخلصة من الزبائن، لنفس المبدأ في المقاهي العادية، وهو ضرورة الإهتمام بالزبون والمعاملة الحسنة، ويرى أن التعامل الحسن خلق لديه زبناء، يختلفون في أعمارهم وأذواقهم، لكنهم، يتفقون في أنهم يرجعون للبحث عنه كل مرة. ويتفق الزميلان في المهنة كذلك، أن مشروع المقهى المتنقل، يمكنه تحقيق الكفاف لصاحبه، لكنه لا يعد بالأرباح الخيالية كما يصور البعض.

وفي ظل تنامي ظاهرة انتشار المقاهي المتنقلة هنا وهناك، فإن مصطفى يعتبر هذا المشروع مجرد حل مؤقت تدفع إليه الضرورة، لها إكراهات وتحديات بحكم تكاليفه الباهظة، وينصح الشباب بالبحث ما أمكن عن مشاريع أخرى، دون الإلتفات إلى من يعدونهم بالربح السريع من وراء المقهى المتنقل، داعيا السلطات المسؤولة إلى فتح قنوات للمساعدة في تنظيم المقاهي المتنقلة قبل دخولها في العشوائية والفوضى، فيما يرى عبد الكبير أن من حق أي شخص أن يجرب حظه في المشروع، لكنه يحذر من تكاليفه الباهظة التي لا يقدر عليها -حاليا- إلا من أسماهم “صحاب الشكارة”، كما قال إن هؤلاء بدؤوا فعليا في الارتماء على هذا المشروع وبدؤوا في الاستثمار فيه، وفتح عدة مقاهي متنقلة على صعيد المنطقة.

تتعدد تلك الملاحظات والارتسامات التي يمكن لأصحاب المقاهي المتنقلة أن يدلوا بها، سواء في جدواها الاقتصادية، أو في ما يخص الجانب التنظيمي، لكن الأكيد، أن التفكير في ابتكار حلول ايجابية، لدى الشباب السوسي والمغربي عموما، يعد بالكثير، وأن لجوء شريحة من المجتمع إلى البحث عن “الرزق الحلال” من خلال مثل هذه المشاريع البسيطة، يضع المؤسسات المعنية، أمام مسؤولية التدخل من أجل دعم مثل هذه المشاريع، ولو من خلال التنظيم والتكوين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *