متابعات

انتقادات لاذعة توجه للمرشح الفرنسي “فيون” لإفصاحه عن ديانته

” أنا ديغولي ومسيحي”.. هكذا قدم المرشح اليميني للرئاسة الفرنسية فرنسوا فيون، نفسه، مؤخراً، لشرح سياسياته من مبدأ إيمانه الديني، في سابقة بهذا البلد العلماني يسلط فيها مرشح الضوء على ديانته.

تناول الديانة الكاثوليكية في الفضاء السياسي الإعلامي لم يمر دون أن يثير جدلاً صاخباً، ويشكّل نقطة توقّف حول “نسبية” تديّن فيون، ليشعل كل ذلك غضب السياسيين والكاثوليك أنفسهم على حدّ سواء.

فيون المعارض لقانون الزواج للجميع، وللسماح للمثليين بتبني أطفال، لا يخفي أيضاً دعمه لتبني إطار سياسي قانوني يكون أكثر تناغماً مع الكاثوليكية.

وفي رسالته إلى الأساقفة المنشورة في أكتوبر الماضي، اقترح الرجل “إعادة قانون النسب لتغيير المبدأ القاضي بأن الطفل يشكل دائما ثمرة العلاقة بين أب وأم”.

وفي يونيو الماضي، كشف أيضا، خلال اجتماع لليمين بالمنطقة الباريسية، بأنه لا يمكنه “تأييد” الإجهاض بسبب “إيمانه الشخصي”.

“مسيحي” في سياق انتخابي:

تماما كما أحدث مفاجأة بفوزه في الاقتراع التمهيدي لليمين، فاجأ فيون، الرأي العام في بلاده بتصريحاته التي أدلى بها الإثنين الماضي، خلال مداخلة تلفزيونية له، حين قدّم نفسه مرشحا “ديغوليا” و”مسيحيا”، كـ “علامة” لحملته الخالية من الشعارات.

فرانسوا بايرو، رئيس “الحركة الديمقراطية”  انتقد الأربعاء الماضي، في مقابلة تلفزيونية له، ما أسماه بـ “الخلط” بين السياسة والدين من طرف فيون.

وقال: “لم أتمكّن من فهم ذلك، فأنا أعرف فرانسوا فيون منذ فترة طويلة، ولم أره أبدا يُدلي بتصريحات من هذا النوع”.

وتابع: “ذلك يعني أن له أغراضا انتخابية لا أعرف كيف لشخص أن يسمح لنفسه أن يسقط في مثل هذه التجاوزات، وأعتقد أنه ينبغي وضع حدّ لهذا الخلط، ففرنسا تقوم على مبدأ عدم الخلط بين الدين والسياسة”.

أما هنري غيانو، النائب اليميني (الحزب الجمهوري) عن إقليم “إيفلين”، وهو أيضا المستشار للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي (2007- 2012)، فرأى من جهته في تصريحات فيون “خطأ أخلاقيا”.

ولفت النائب، في تصريح أدلى به، أمس الأول الخميس، لقناة “أل سي أل” الإخبارية، إلى أن الإشارة بأن ديانة المرشح يمكن أن يهدد “تماسك الأمة”.

واستطرد “الإجابة عن سؤال حول الإيمان يمكن تفهّمه، لكن أن نجعل منه حجة انتخابية، فهنا يكمن الإشكال، لأنه لا يمكن أن ندّعي محاربة الطائفية والقول بأني مرشح المسيحيين.. إنه خطأ أخلاقي، وهذا يزج بنا في متاهات خطيرة”.

انتقادات لاذعة تستهدف مرشح الرئاسة الفرنسية بسبب إشاراته المتكررة إلى ديانته، لتنضاف إلى سيل آخر من الانتقادات التي شملت برنامجه الانتخابي، والذي وصف بـ “الضعيف” خصوصا في ما يتعلق بجانبه الإجتماعي.

وفي لقاء تلفزيوني له على قناة “تي أف 1” الفرنسية، أسهب فيون في تفسير كيف أن تديّنه بالمسيحية يعتبر أحد جوانب شخصيته، ويجنّبه اتخاذ قرار “يتعارض مع احترام الكرامة الإنسانية واحترام الشخص، والتضامن”، في ردّ ضمني على الجدل الدائر حول إصلاح النظام الصحي، من خلال هيمنة شبه كاملة للتأمين التكميلي الخاص مع استثناء “حالات المرض الخطيرة أو المزمنة”.

كاثوليكية “في اتجاه الريح”:

تديّن فيون لم يخل، رغم ما تقدّم، من تناقض مع مبادئ الكاثوليكية والقيم التي تدافع عنها الكنيسة، وخصوصا فيما يتعلّق بالنظام الاقتصادي.
ففي 26 نونبر 2014، كان فيون من بين النواب الـ 27 من حزب “الجمهوريين” (كان يسمى “الإتحاد من أجل حركة شعبية”) الذين صوّتوا لصالح مشروع قانون حول الإجهاض، اقترحه الحزب الإشتراكي، مع أن المشروع لم يحصل على تأييد سوى 151 برلمانيا من أصل 577.

وفي 28 يناير من العام نفسه، أظهر تأييده أيضا لمشروع قانون “من أجل المساواة بين الرجال والنساء”.

أما بخصوص زواج المثليين، فدعا إلى تحالف أكثر تقدّما من “اتفاق تضامن مدني”، والذي يمنح لأي شخصين في فرنسا، وبغض النظر عن جنسهما، أن ينظما بينهما عيشا مشتركا بتوقيع اتفاق تضامن في المحكمة.
فريتيليير قال في تصريحات نقلتها صحيفة “لوموند” الفرنسية: “إنه (فيون) مرشّح لليمين التقليدي لا أكثر “.

وأضاف أنه “لم يحدث أبدا، في المجلس البلدي وأن ركّز على تديّنه الكاثوليكي، ولقد كان مديرا أكثر منه منظّرا ايديولوجيا إنه يميل إلى التحرك في اتجاه الريح، فلقد رأيناه يغير رأيه لمرتين أو ثلاث بشأن المواضيع الهامة”.

من جهته، انتقد المدير السابق لمجلة “لوفيغارو”، باتريس دي بلونكيت، فيون لرؤيته الاقتصادية المتناقضة مع الكنيسة.

وقال في مقال نشره عبر مدوّنته إن “برنامجه يدير ظهره لانتقادات البابا للنظام الإقتصادي، ويناقض دعواته للخروج من النيوليبرالية”.

سلاح ضدّ الإسلام:

تركيز فيون على إيمانه الكاثوليكي مكّنه من التشكيك في مكانة الإسلام بفرنسا، في سياق أمني هش للغاية منذ الهجمات الإرهابية التي استهدفت البلاد مطلع 2015.

فمنذ إطلاق حملته، لم يتردد المرشح اليميني في مناقشة حدود “دمج الدين الإسلامي في الجمهورية”، في كتابه الصادر في سبتمبر الماضي بعنوان “هزيمة الشمولية الإسلامية”.

وعلاوة على ما تقدم، دعا الرجل إلى تطويع الإسلام في فرنسا لقيم البلاد، كما يتّضح من رسالة توجّه بها إلى الأساقفة، تعهّد فيها بالعمل “من أجل أن يرى النور إسلام فرنسي يحترم قيمنا”.

فيون ذهب لأبعد من ذلك، حين أعرب في قصر المؤتمرات بالعاصمة باريس، قبل الدور الأول للانتخابات التمهيدية لليمين (جرى في 20 نونبر الماضي)، عن رغبته في فرض “رقابة إدارية صارمة على الدين الإسلامي طالما أنّ ارتباطه بالجمهورية لن ينتهي”.

تباين لافت في تموقع المرشح الرئاسي حيال المسيحية والإسلام، يتجلّى حتى من خلال تبنّيه لتعريف مرن للغاية للعلمانية حين يتعلق الأمر بالكاثوليكية، وصارم حين يهمّ الإسلام.

ففي رسالته إلى الأساقفة، دافع عن رؤية للعلمانية لا تتعارض مع الحرية الدينية، قائلا: “حذاري من السعي إلى التصويت على قوانين لزيادة تشديد قواعد العلمانية، لأننا نخاطر بالمساس بالحرية الدينية، وهذا ما لا أقبله”.

في المقابل، اعتبر فيون في إحدى مؤلّفاته أنه يتعيّن على المسلمين أن يكونوا “أكثر توافقا” مع العلمانية في فرنسا.

ومضى: “يتحتّم على الدين الإسلامي أن يقبل كلّ ما قبلت به الكاثوليكية في السنوات الماضية، وهذه هي بالنسبة لي العلمانية، بمعنى أننا لا نفرض على المسلمين قيودا مفتعلة، غير أننا لن نغيّر الجمهورية لتتلاءم مع الإسلام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *