مجتمع

بين الدين والفلسفة…جدل مستمر يدعو إلى تغيير منهج التربية الاسلامية

رغم التغييرات التي طالت مناهج مادة التربية الإسلامية، بداية من الموسم الدراسي الحالي، في محاولة لجعلها بعيدة عن فكر “الغلو والتطرف”، إلا أنها ما زالت تثير جدلاً وسط النشطاء في المجتمع المدني وأساتذة الفلسفة بشكل أساسي.

ويعود هذا الجدل إلى ما تتضمنه بعض نصوص منهج “منار التربية الإسلامية” بالثانوي التأهيلي، من أفكار تسيء لمادة الفلسفة والعلوم الإنسانية، وهو الأمر الذي دفع أساتذة الفلسفة إلى مراسلة وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، لسحب كتب هذه المادة.
النصوص.. تعبئة بالتشدد:

في الرسالة التي وُجّهت لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بلمختار، اعتبرت سكرتارية اللجنة الوطنية لمدرسات ومدرسي الفلسفة، أن قرار اعتماد الكتب الثلاث لمقرر منار التربية الإسلامية بالثانوي التأهيلي “هو حشد تجاه الحقد وتعبئة بالتشدد في الفصول الدراسية”، على حد وصفها.

ودعت الرسالة، التي وُجهت نسخة منها أيضاً لرئيس الحكومة، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، إلى “سحب هذه المقررات، تناغماً مع التزامات الدولة المغربية وإعلاناتها المتكررة في كل مناسبة لتجفيف منابع التعصب والعداء والإرهاب، على حد تعبير الرسالة.

كما وصفت الرسالة المقررات الدراسية سالفة الذكر بأنها “وصمة عار إضافية في سجل النظام التعليمي، ونقطة سوداء تهدد الاستقرار والأمن العالميين، بالنظر إلى محتواها المجرّم للتفكير الفلسفي المعادي للعلوم الإنسانية، والمحتقر لقرون من نضالات الشعوب في مواجهة القوى الرجعية والتخلف، لترسيخ منظومة حقوق الإنسان”.

من جانبه، أوضح قاشي الكبير، أستاذ الفلسفة والمنسق الوطني لسكرتارية اللجنة الوطنية لمدرسات ومدرسي الفلسفة، أن “النقد تم توجيهه لمقرر بعينه، لا لكلّ مقررات التربية الإسلامية، وذلك بالنظر إلى حجم مضامينه المحشوة بثقافة الحقد والكراهية لكل ما هو إنساني، وضربها لقيم الاختلاف والتعدد”، حسب وصفه.

وأضاف في حديثه لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن ما يعتبرونه تطبيعاً مع الفكر “المتشدد” هو في الحقيقة ليس مزايدة أو افتراء، وإلا فما “السر وراء استبعاد مراجع مثل ابن رشد، الكندي، الفارابي، أو على الأقل علال الفاسي أو طه عبدالرحمن أو عبدالله كنون… مقابل الاستشهاد بابن القيم الجوزية وابن تيمية، ورأي الفقيه ابن الصلاح الشهرزوري: من تفلسَفَ فقد استحوذ عليه الشيطان”.

وقال إن “فضيحة منار التربية الإسلامية تستوجب استقالة وزير التربية الوطنية، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتذرع هذه الأخيرة بالتكلفة المالية للسحب هو مبرر يثير السخرية، ولا يساوي شيئاً قياساً بالضريبة التي سيؤديها المغاربة من انتشار هذا الفكر وانتعاشه”.
التربية الإسلامية.. مراجعة شاملة:

لكن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، نفت أن تكون قد تذرعت يوماً بالكلفة المادية لسحب المقررات المذكورة، بحسب ما أكدت فاطمة وهمي، المكلفة بالتواصل مع الصحافة بالوزارة، في اتصال هاتفي مع “هافينغتون بوست عربي”.

وبخصوص رأي الوزارة حول الجدل الذي تثيره نصوص منار التربية الإسلامية، أحالتنا المكلفة بالتواصل في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، على بيان صحفي للوزارة.

وأشارت فيه “كون ردود الأفعال هذه اختزلت عملية المراجعة الشاملة التي خضعت لها الكتب المدرسية في نص واحد ورد في باب تقديم نموذج لموقف يشدد الكتاب المدرسي المعني على أنه عنيف من الفلسفة، إذ يؤطر الكتاب تقديم هذا النص بأسئلة توجيهية لدفع التلاميذ إلى إجراء مقارنات بين محتوى هذا الموقف العنيف والموقف الآخر، الذي يعتبر العقل والتفكير من أدوات الوصول للحقيقة”.

كما أكدت الوزارة أن “الخيارات التربوية المتعلقة بالمنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية، تسعى إلى ترسيخ الوسطية والاعتدال، ونشر قيم التسامح والسلام والمحبة، وتعزيز المشترك الإنساني بالبعد الروحي”.
محاولات للتأويل الأيديولوجي:

بدوره قال محمد احساين، نائب رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، إن “النصوص مثار الجدل هي مطروحة من أجل المناقشة، ومن أجل تبادل الأفكار، في إطار الفكرة ونقيضها”.

وأضاف احساين، في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن هناك نصوصاً تحبّذ الفلسفة، وبجانبها رأي مخالف لبعض المفكرين المسلمين؛ وهي نصوص مطروحة أمام التلاميذ للمناقشة، خاصة أنهم يمتلكون مكتسبات في الفلسفة تمكنهم من اتخاذ موقف من هذه النصوص.

لذلك فهو يرى أن “القضية لم تعد محصورة في جانبها التربوي والمهني، بقدر ما تحوّلت إلى ما هو شخصي وأيديولوجي”.

وأضاف أنه “لا وجود لما يدعو إلى العنف والكراهية والحقد والتطرف، وكل من قال بذلك فهي محاولات منه لتأويل هذه الدروس تأويلاً أيديولوجياً فقط”.

وأشار احساين إلى أن هناك بعض مدرسي الفلسفة لهم في الأصل موقف تجاه الدين، وهو ما ينحاز بهم إلى نقل رأيهم إلى تلاميذهم، ما يجعل العملية التربوية للأستاذ تنزاح عن هدفها الرئيسي.
التربية الإسلامية.. تعليمات ملكية للإصلاح:

وكانت الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة استنكرت “عدم تجاوب الوزارة الوصية مع مطلب الجمعية، والقاضي بسحب هذه السلسلة من الكتب المسيئة للفلسفة والعلوم وحقوق الإنسان ومكتسبات الحضارة الإنسانية”.

واعتبرت الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، في بلاغ اطلعت عليه “هافينغتون بوست عربي”، أنه “رغم التقدم المحدود في إصلاح منهاج مادة التربية الإسلامية فإنه لا يزال في حاجة ماسة إلى إعادة التصويب”.

يبقى أن إصلاح منهاج مادة التربية الإسلامية، جاء قبل الموسم الدراسي الحالي، إثر تعليمات العاهل المغربي لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، بضرورة مراجعة مناهج ومقررات تدريس التربية الدينية، سواء في التعليم العام أو الخاص أو في مؤسسات التعليم العتيق.

عقب ذلك، شكَّل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لجنة إصلاح التعليم الديني بالمغرب، ترأسها أحمد عبادي، رئيس الرابطة المحمدية للعلماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *