آراء

تجربة حزب الجيش بالمغرب

يشعر متتبعي الأحداث السياسية بالمغرب بنوع من الإحباط والمفارقات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخرجات الإعلامية لفترات من تاريخ السياسية المغربية في السبعينات من القرن الماضي وما تلاها من “الفضائح” والمهازل السياسية الكبرى، ومنها تلك التي كشف عنها عبد الله القادري، الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي، في حوار نشرته جريدة “المساء” المغربية في حلقات، حيث لم يتناوى بنقد المرحلة في قول وفضح كل شيء حتى فيما يخص حزبه وأصدقاءه وخصومه على السواء.

الخرجات الإعلامية للقادري إضافة نوعية لتاريخ التسلط على رقاب المغاربة، على الأقل خطوة تستحق التشجيع لأنها سابقة في “فضح” الأيادي المتحكمة في السياسية بالمغرب، فهو القادم من ثكنات العسكر إلى دهاليز السياسة، تحدث عن الأحزاب، ورموز السياسية وعن محيط القصر، وغيرها من الأحداث التي لم يسلم منها حتى حزبه وأصدقائه وقال مثلا، عن حزب صهر الملك “التجمع الوطني للأحرار”، إنه تأسس بإرادة الملك الراحل الحسن الثاني، بل جزم على أن هناك قاعدة عامة في صناعة الأحزاب، وهو التقليد السائد إلى اليوم بعد منع أحزاب، والترخيص للأخرى وهو ما يجسده قوله لجريدة المساء “ليس هناك حزب بالمغرب تأسس بدون الحسن الثاني”، مبرزا بأن “أحزاب اليسار هي أيضا تأسست بإرادة الملك الراحل، حيث إن الدولة ساعدتها لأنها “كانت تريد إضعاف حزب الاستقلال”.

الحقيقة المرة التي تحدث عنها الكولونيل أشبه بتصويب الطلقات على من يهمهم الأمر، وإن كانت هذه التصريحات متأخرة، فإنها على الأقل أثارت جزء من التاريخ المسكوت عنه، يخص دواليب القرار، وحتما تكون شهادة الكونوليل على عصره إفادة نوعية لفهم حيثيات صناعة السياسة بالمغرب والتي لا تخرج في إطار “دار المخزن”.

ورغم الصمت المريب، والتعامل باللامبالاة لما ورده عبدالله القادري، فإن الكولونيل السابق لم يكتف بكل ما سبق، بل اعترف بأنه أشرف، بحضور الملك الراحل الحسن الثاني وضيفه ملك الأردن، على إعدام ضباط قال إنهم “أبرياء ومظلومون”، كاشفا بأنه دخل السياسة بعد أن اتصل به أحمد الدليمي وإدريس البصري، وقالا له: “قالك سيدنا خصك تدخل للسياسة”، فدخلها طائعا، ليصبح بقدرة قادر رئيس حزب ينافس ردحا من الزمن على المراتب الأولى في مشهد سياسي رديء كان يُرتَّب له بعناية.

وفي عهد الملك محمد السادس، قال بأن فؤاد عالي الهمة، مستشار الملك محمد السادس، جاءه ذات يوم من سنة 2007، قبل أن يقول له: “قالك سيدنا خصنا نديرو حزب كبير”، “فابتلع حزب الأصالة والمعاصرة الحزب الوطني الديمقراطي”.

لم يكن عبد الله القادري العسكري الوحيد الذي تقاعد عن الخدمة واتجه صوب عالم السياسة، فقد سبقه عسكري آخر اسمه المحجوبي أحرضان، ونقل عنه وكمؤسس حزب “الحركة الشعبية”، حين ظهرت دعوات من داخل “الحزب الوطني الديمقراطي” تدعو إلى الاهتمام بالعالم القروي فرد أحرضان: “واش باغيين تنوضو علينا النحل.. نعطيو للعالم القروي الماء والكهرباء.. ما غا يبقى يتحكم فيه حتى واحد”.

ومع اختلاف في الظروف والمعطيات، تبقى السياسة في المغرب أشبه بعملة ذات وجهين، فنفس الأحزاب التي تحدث عنها العسكري القادري مازالت تأثت المشهد السياسي في عهد الملك محمد السادس، وإذا كان عسكريون وعمداء شرطة قد ولجوا إلى عالم السياسة في مرحلة الراحل الحسن الثاني، فهناك آخرين يبحثون عن مواقع لوجودهم في عهد محمد السادس، فالرجل الذي كان مسؤولا عن خزائن وآليات عسكرية لدى انتمائه إلى المؤسسة العسكرية والذي يحتفظ بالكثير من الأسرار، كشف عن حقيقة تعامل “دار المخزن” مع العمل السياسي، والذي لا يخرج في إطار صناعات زعامات مقربة من الدوائر العليا، أما قانون الأحزاب أو غيرها من الأوهام القانونية، مثل “تنزيل الدستور” في عهد حكومة الإسلاميين، لا يعتد عليه مادام أن القائمون على تدبير الشأن السياسي متشبثون بالقاعدة المخزنية الموروثة.

فحزب “البيجدي” مثلا وإن كان مرتبطا بالخطيب وأسرته، فإن وصوله إلى الحكم كان تحت ضغط حركة 20 فبراير، كما كانت حكومة التبادل في عهد الرحمان اليوسفي كذلك تحت الضغط الأوربي والترتيب لولاية حكم ولي العهد محمد السادس بدعوى أن المغرب يعيش “سكة قلبية”.

فالرسالة إذن واضحة ولو أن المتغيرات الحاصلة اليوم في شمال إفريقيا، والشرق الأوسط تبين أن “أصدقاء الحلف الأطلسي” مازالوا قائمين على تدبير الأمور في العالم وصناعات حكومات الدول ولو بمقاربات مختلفة مثل “الإرهاب”، أسلحة الدمار الشامل، الأوبئة…، وغيرها من المخططات المهيأة مسبقا، وحيث يتحرك النفاق السياسي وتختلف الآراء والتوجهات عند دعاة النضال والمشروعية كما حال مواقف مجموعات من تيارات المحسوبة على المشارقة.

ففي المغرب مثلا توجه تعنيه مواقف قطر، وآخرين من نفس الطينة تعنيهم مواقف السعودية، بينما آخرون يرفضون التدخل الأمريكي في سوريا لأن بشار الأسد “قومي عربي” ولأنهم بعثيون، هذا التوجيه للرأي العام في المغرب عن قضاياه المصيرية إنما تكتيك مخزني أيضا ينسجم عن خطة المخزن في تأثيث المشهد السياسي الذي تحدث عنه الكونوليل القادري، لكسب المزيد من الوقت، مادام أن تداعيات القصف الأمريكي من المألوف، ذات النتائج والنهايات أيضا، وإلى حين انتهاء أزمة سورية، تبقى الحكومة أشبه بعجوز فاغرة ولا أسنان لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *