آراء

إلى كل المهرولين لإقامة مأتم الاتحاد الاشتراكي، نقول: “لا شكر الله سعيكم”

مرة أخرى يخيب ظنكم، أيها الشامتون، ويكذِّب الواقع كل تنبؤاتكم وتتحطم أحلامكم على صخرة الاتحاد الاشتراكي، بعد أن عاكس رغباتكم وحرمكم من نشوة تقديم العزاء والتلذذ بمذاق التشفي والشماتة في حزب عريق، تاريخه يشكل مصدر إزعاج لكل الذين لهم ماض، يريدون التخلص منه بجر الكل إلى مستواهم، حتى تستقيم مقولة “أولاد عبد الواحد كلهم واحد”.

إن لحم الاتحاد مر والناهش فيه لن يضفر إلا بـ”الزفرة” ومرارة المذاق؛ أما عظامه، فحتى وإن أصابتها الهشاشة أحيانا، فهي تبقى صلبة وتتكسر عليها أسنان وأضراس الناهشين الباحثين عن”تكديد” العظام في الجثث المحلولة. فهل نسي هؤلاء بأنه حتى الجمر والرصاص لم يفلح في كسر العظام هذه ولم ينل من عزيمة أصحابها؟…

فإلى كل الذين نصبوا الخيام (المعنوية طبعا)، وتداعوا للعزاء بدافع التشفي والشماتة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وإلى كل المنتشين بفكرة التشرذم والانشقاق والوفاة، سواء كانوا أفرادا أو جماعات، وسواء تعلق الأمر بمنابر إعلامية أو بمؤسسات سياسية…، نقول: خيَّب الله مسعاكم، ولا شكر سعيكم، وعظَّم قلة أجركم فيما أصابكم من خيبة أمل…

لكن، بالمقابل، نقدم لكم تعازينا غير الحارة فيما دهى فرحكم من نكسة، حيث لم ينفع لا قرع طبول الحرب ولا إشعال الفتنة في اكتمال فرحتكم بما اشتهيتموه من تشتيت العائلة وتفتيت أواصرها واندثار إرثها وتراثها. ونعزيكم أيضا في ذهاب فطنتكم وفي قلة معرفتكم بالاتحاد الاشتراكي، فسارع البعض منكم إلى إصدار (أو استصدار) بيانات النعي، والبعض الآخر بادر إلى استخراج شهادة الوفاة، بينما الباقي انخرط في نظم قصائد الرثاء الشامتة والمتشفية؛ في حين أن أهل الدار، وعلى عادتهم، يعيشون ويتعايشون مع مشاكلهم الداخلية (والتي ليست جديدة ولا مستجدة في هذا التنظيم الحيوي)، دون مبالغة في حجمها وأهميتها، ودون نكران وجودها وتشويشها على الجسم كله؛ لكن، ليس إلى الحد الذي يمنع الأجهزة (كما الأعضاء في الجسم) من أداء وظائفها على أحسن ما يرام. وكان اجتماع كتاب الجهات والأقاليم يوم السبت فاتح مارس 2014، أحسن دليل على سلامة الجسم الاتحادي ومعافاته. ولم يخرج عن نفس السياق اجتماع المكتب السياسي مع الفريق البرلماني يوم الثلاثاء 11 مارس 2014؛ ذلك الاجتماع الذي كانت تنتظر منه بعض الجهات أن يعمق الشرخ داخل الاتحاد، فخاب ظنها مرة أخرى. ولا عزاء للحاقدين!!!

لقد كثر الطفيليون (ومنهم حتى من ينتسب إلى نفس العائلة) الذين يبحثون عن المآتم، أملا في الظفر بوجبة دسمة، تحتوي على أطباق، بها أصناف من الحقد والكراهية والتحامل… المطبوخة على نار الإشاعات والمهيأة حسب وصفات تصفية الحسابات… وهكذا، انطلقوا مسرعين إلى خيمة (أو خيام) العزاء، التي نصبها محترفون في قتل القتيل والسير في جنازته.

لقد سَهََّلت اليوم وسائل الاتصال الحديثة (من مواقع اجتماعية ومن جرائد إليكترونية ومن الصحافة المكتوبة) مهمة النائحات والنائحين المستأجرين لذرف دموع التماسيح والتباكي على الهالك المفترض. ويكثر هؤلاء، حين يتعلق الأمر بإعلان وفاة الاتحاد الاشتراكي، أو على الأقل، الإخبار بأنه يحتضر. فقد أصبحت المنابر التي تنهش في لحمه، تتفنن في أساليب النهش، وتعتمد وسائل كلها مكر وخداع… يغذيها الحقد والغل، من جهة، والرغبة في الرفع من المبيعات بالنسبة لبعضها، من جهة أخرى.

وتأتي جريدة “المساء” على رأس هذه المنابر التي تجتهد في تشويه صورة الاتحاد الاشتراكي؛ وذلك بتبخيس كل ما يقوم به من مبادرات ومن أنشطة سياسية ودبلوماسية…، في حين تضخم كل الشائعات حوله وتروج لها بكل “أريحية” و”مهنية”؛ كما تبحث عن الأشياء الهامشية المتعلقة بالحزب لتركز عليها وتصنع منها أحداثا من أجل التغطية على الأحداث الحقيقية ذات الأهمية. ولنا في “تغطيتها” للمؤتمر الوطني التاسع و”تغطية” مهرجان 5 أكتوبر 2013 بمركب مولاي عبد الله بالرباط، خير دليل على ما نقول. بل إن الجريدة إياها تعمدت أن تكذب على عائلة المرحوم “محمد جسوس” دون مراعاة لشعور هذه العائلة المكلومة ودون احترام لروح الفقيد، فادعت بأن عائلته رفضت أن يؤبنه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي؛ وافترت، في هذا الموضوع، على الأخ “محمد المرغادي” الذي نسبت له الإشاعة. وقد أرسل المعني بالأمر تكذيبا صريحا وواضحا للجريدة المعنية؛ لكنها، في احتقار تام لأخلاق المهنة ولقانون الصحافة، لم تنشر التكذيب ولم تعتذر لقرائها عن هذا الخطأ المهني الفادح.

وآخر ما تفتقت عنه عبقرية القائمين على هذه الجريدة (دون الحديث عن سعيها الحثيث لاستقطاب من لهم حسابات شخصية يبحثون عن تصفيتها، إما مع الأشخاص وإما مع الحزب كله)، هو ملف من صفحتين كاملتين (16-17)، اختارت له عنوانا موحيا (“حرب التيارات.. هل هي بداية نهاية حزب الاتحاد الاشتراكي؟”) واستدعت للحديث في الموضوع مجموعة من أساتذة العلوم السياسية.

ومع احترامنا لكل الآراء، فإن البعض منها مثير للشفقة ومخجل أن تصدر تلك الآراء عن أستاذ باحث، يفترض فيه أن يتحلى بالموضوعية ويتوخى الدقة ويبتعد عن أحكام القيمة وعن الأحكام المسبقة؛ خصوصا وأنه موكول له أن يلقن الطلبة مبادئ العلوم السياسية، والتي ما هي إلا فرعا من العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ وبهذه الصفة، فهي أبعد ما تكون عن القطعية وعن الإطلاقية. بل أكثر من ذلك، نجد من بينهم من لم يزد، في تحليله (حتى لا أقول تخريفه) عن مسايرة التحاليل الصحفية السطحية، المتهافتة والمتحاملة أيضا؛ وذلك، ربما، لحداثة عهد بعضهم بالمدرجات ولقلة خبرتهم التربوية والعلمية، أو، ربما، لأسباب ذاتية ولحسابات شخصية، وجدوا الفرصة مواتية لتصفيتها إما مع الأشخاص وإما مع الحزب نفسه.

ولا أدري لما ذا تذكرت، وأنا أتصفح الملف الذي أعدته جريدة “المساء”، جوقة المسمعين ومجموعات حفظة القرآن المتنافسين على موائد المآتم. لقد بدت لي الجريدة كخيمة، نصبها أصحابها، دون إذن أهل القتيل المفترض، وتعاقدوا مع ممول حفلات ليوفر لهم كل ما يحتاجونه لطقوس المأتم بهدف إشهار وفاة الاتحاد الاشتراكي أو التهييء لذلك، على الأقل. وحتى يكون الحفل مناسبة لتقسيم التركة، فلم تجد الجريدة أفضل من إحضار أصحاب الاختصاص. لكن، وكما يقول المثل الشعبي: “لي كيحسب بوحديه كيشيط ليه”. فالاتحاد الاشتراكي، رغم كل مشاكله، الحقيقية والمصطنعة، يبقى رقما صعبا في المعادلة السياسية بالمغرب. وقد لا تجدي في فهم هذا الوضع، نظرية العلوم السياسية التي تدرس في المدرجات، بعيدا عن تعقيدات الواقع وعن تبعات الممارسة السياسية وإشكالاتها. وعلى كل، فالضربات الموجهة إلى الاتحاد الاشتراكي من جهات متعددة، خصوصا بعد أن استعاد المبادرة في كثير من المجالات، لدليل ساطع على حيويته وعلى عافيته. أليست الأشجار المثمرة هي التي تُقذف بالحجارة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *