آراء

الأمة ثمرة تاريخها ..

كل شئ أصبح مختلف اليوم في المغرب إذا ما قارننا وضع الأمس باليوم، إلى درجة أن الأغلبية الصامتة لم تعد تفهم مايقع ؟ من جراء غياب القيم والأخلاق ، إنتشار الجريمة في أبشع صورها ، الخبث السياسي ، الإتجار في الدين ، غياب العدالة ، ظاهرة الإنتهازية لدى المثقف المغربي ، تخريب التعليم .. وفي كل هذا يكون الوطن موضوع تساؤل وهويته بين مفترق الطرق ، وحتى نعالج هذا الموضوع أود في البداية أن أوضح للقارئ المحترم.

ما معنى مفهوم الوطن؟

إدن فالوطن هو تلك الفكرة التي تعبر عن تعلق الإنسان بصنف معين من الجماعات، هاته الجماعات بالتحديد هي تلك التي ينتمي إليها عن طريق وضعيته، لا انتسابه الإداري :عائلته ،منطقته ،بلده ،مجتمعه المدني . فهل حقا نتعلق بجماعات بهذا المفهوم اليوم ؟ مادام أن في المغرب عائلات تشردت بسبب وضعها الإجتماعي ، مناطقها الجغرافية لم تعد تلبي حاجانها الضرورية بعد أن تم الاستحواذ على ثرواتها ، أم بلدك وبلدي فهو من عداد خيال وتمثلات ذهنية ، بحيث تجد أغلبية الأفراد يفضلون جنسيات بلدان غربية ، على حساب أرواحهم المفقودة كرها وعبر هجرات قوارب الموت ، بينما يبقى المجتمع المدني رهينة بيد أجندة السلطة .

إن مدلول كلمة “وطن” يختصر كل الأبعاد العاطفية للفرد والجماعة يختصر إشتراكهما في هذه الجملة من التقاليد والأماني والأنماط الإجتماعية والأعمال الفنية والتصورات الجماعية والمثل المشتركة التي تكون المناخ الثقافي “الوطنية” لكن هل نتوفر على شروط قيام وحدة وطنية اليوم ، فإذا اعتبرنا أن مرتكزاتها الأساسية هي :

* وحدة اللغة : فهي غير قائمة بالمرة ، فالمغاربة لايتقنون أية لغة ، أغلبهم مثلي يعبر كأنه يترجم ، فالتعسف اللغوي خلقته مصالح الفرنكوفونية والعروبة.

* الأرض، لم تعد أساس الوجود ، فالقوانين المعمول بها جعلتها بيد ذوي المصالح لايهمهم في أرض المغرب إلا استنزاف ثرواته ، وحتى أن قدر لك وأنت تمتلك اليوم أرضا فالقوانين مجحفة ومفبركة على مقاس الفئات المسيطرة ، فما يوجد في أعماقها من الثروة يكون من ملكية الدولة، أمافي حالة وجود روح أوجثة فهي محسوبة عليك وقد تعاقب عليها جنائيا في أرض تملكها” والمفارقة العجيبة تقول: “الأرض تتكون ديالك في حالة إلى لقو تحتها الروح أو جثة ، والى لقوا الكنز تتكون من ملكية ديال الدولة” .

* الدين، لم يعد يوحد الناس نظرا لتشويه صورته ، فالدين عند المغاربة كان عبر التاريخ مأجورا ويرتبط بقدسية الأرض ، حيث يؤدى الوفق العرفي” الشرض” للفقيه عن طريق صاحب الملك المزارع أو”الكانون” فلايحق لمن لايمتلك الأرض أن يؤدي واجبه الديني ” الشرض” ، فعندما بادر الرومان في بيع أراضي المغاربة أعلنوا عن انسحابهم من المسيحية. وقامت ثورة ” إيدمون” ، أي ثورة الوحدويون وتم إجلائهم من المغرب .

* العرق، في المغرب ليس هناك صفاء العرق الظروف الإجتماعية زعزعت القيم ،والعولمة أزمة النفوس وأفقدت الناس كرامتهم …

فهل بالضرورة دائما أن يكون شرط من هذه الشروط هو الداعم الأساسي لقيام وتماسك الدولة ؟ وإدا أخدنا مثلا بنموذج سويسرا أو بلجيكا فهي لا تتكلم لغة واحدة كما أن وحدة الأرض مثال عند الباكستان التي هي بلد حديث العهد يرتكز بشكل كبير على وحدة الدين . إدن فالوحدة الوطنية تكمن في وحدة الحياة الإقتصادية والوحدة الثقافية . فالوحدة الثقافية هي التي كتب عنها رينان) عندما قال بان الأمة يشترك في تكوينها عاملان “الأول كائن في الماضي والثاني في الحاضر .الأول هو إمتلاك إرث مشترك وغني من الذكريات والثاني هو الرضى الحالي والرغبة في العيش المشترك ” نستخلص من خلال هاته المقولة إن أي امة يحدد مسارها ماض يخصها ،فالأمة ثمرة تاريخها . ولكل أمة ثقافتها الخاصة التي تخضع للشروط والظروف التاريخية التي نشأت فيها الوحدة القومية وتطورت .إن التفاوتات الحضارية بين بلد وأخر جعلت من بعض الشعوب تقف حاليا عند حد الإكتفاء بالوعي القومي و المطالبة بتقرير مصيرها نتيجة لهذا الوعي كما أن إخفاق المحاولات الأولى للوحدة العالمية (عصبة الأمم ،منظمة الأمم المتحدة ) يظهر كيف أن التعارض بين الأمم يظل عميق الأثر في حياتها فالنفوذ العالمي في النهاية رهن بصراع تتجاذبه منه القوى العظمى تحركها إديولوجيات ومصالح متضاربة .

والحق يقال فالرجوع إلى منهج الكونفدرياليات كخصوصية مغاربية سيقوي مفهوم الوحدة لأنه ينبني على أساس علاقات قوة ترتكز على مجموع من القيم والأفكار والعادات والتقاليد والرموز والآمال والمصالح المشتركة بين جميع أعضائها وأن الكونفدرالية أسهل إنشاء من الشكل الاتحادي واقل ديمومة منه في آن . فالأمة كما يقال ثمرة تاريخها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *