آراء

الكرنفال .. بين حرية الإبداع وسلطة الرقابة

انتقل معنى كلمة “كرنفال” من مضمونه الأصلي في اللغة اللاتينية والذي كان يعني “الإمتناع عن أكل اللحم”، إيذانا ببداية أيام الصوم لدى المسيحيين (40يوما) إلى معنى آخر في كل اللغات المنحدرة من اللاتينية، والذي يحيل أساسا على الإحتفال والفرجة المعتمدين على القناع والتنكر. وهو نفس المعنى الذي يعطى للكلمة حين استعمالها في باقي لغات العالم والتي انتقل إليها بفضل الإقتراض اللغوي، بل تستعمل هذه الكلمة أحيانا في اللغة الفرنسية لوصف كل وضعية يغيب عنها النظام والتناسق.

منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، بدأت هذه الكلمة تستعمل في المغرب لوصف أشكال فرجوية تنكرية، فبدأنا نسمع “كرنفال إمعشار” و”كرنفال بيلماون”، ثم أصبح إسما رسميا لأكبر كرنفال في شمال إفريقيا وهو “كرنفال بيلماون بودماون” المنظم سنويا بعمالة إنزكان آيت ملول.

والباحث في موضوع الكرنفال وفق مقاربة مقارنة، سيكتشف وجود مبدأ عام تشترك فيه كل كرنفالات العالم وهو مبدأ الخروج عن المألوف وتوفير مجال لكسر الطابوهات وخلق فضاء للحرية والإبداع ونقد الحياة السياسية والاجتماعية والدينية بدون أية رقابة. بل إن اللجوء إلى القناع والأزياء التنكرية وتغيير نبرات الصوت يسمح بإخفاء هوية الشخص ويضمن للمشارك حرية التعبير عن كل الممنوعات في الحياة العادية.

من هذا المنطلق يمكن القول أن للكرنفال قوانينه الخاصة ومنطقه الإستثنائي ولا يمكن أن تطبق عليه القوانين العادية. فأهميته تكمن في خروجه عن العادي واستعداد الجميع للإنخراط فيه وفق منطقه هو، لا وفق منطق سلطات الرقابة.

وقد ذكر الباحث عبد الله حمودي في كتابه “الأضحية وأقنعتها” كيف كان سلاطين المغرب يستقبلون هذه الفرق التنكرية داخل القصر بشكل رسمي وبحضور وزرائهم وسفراء الدول الأجنبية. وإذا كان السلطان وحده محط احترام المشاركين فإن وزراءه وسفراء الدول الأجنبية كانوا جميعهم موضوع سخرية ونقد، وكان الجميع يقبل بصدر رحب منطق الكرنفال.

فالكرنفال في عمقه الفلسفي يحيل على “اللا تنظيم” و”اللا منطق”، وعليه فكل رغبة في تطوير وتنظيم كرنفال بيلماون لا يجب أن تخلخل منطقه الداخلي المبني أساسا على “حرية الإبداع والنقد”، لأن الكرنفال وجد أساسا للخروج من منطق المنع الذي يهيمن على الحياة العادية، وخلق عالم آخر في الاتجاه المعاكس «le monde à l’envers» لا يدوم إلا بضعة أيام قبل العودة من جديد لحياة الرقابة إما باسم الدين أو السياسة أو الشعور العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *