آراء

مروان خوري .. في حضرة الرب

استيقظت ذات صباح كعادتي، فتحت حاسوبي الشخصي، وارتأيت أن أكسر الروتين اليومي، فعوض الدخول إلى المنابر الإخبارية للإطلاع على أخبار الكون، حولت وجهتي صوب موقع اليوتوب، رقنت إسم مروان خوري، فإذا بي أمام ألبوم كامل كتب بجانبه 2014، وهذا يعني أن الرجل أصدر عملا جديدا، وهو الشيئ الذي زاد حماستي في الإنصات إلى ألبوم هذا الفنان المارد في نظري، فإستفزني عنوان أغنية إختار لها مروان إسم صلاة فنان.

نقرت زر الحاسوب معلنا بداية المقطوعة، فإذا بي أسافر عبر عمل عبقري لفنان نادر، يفاجئنا كعادته بإبداعاته الخالدة.

فما المقصود إذن بهذه الصلاة، أهي صلاة جنازة لواقع الشرق الذي غرق في بحر الدم؟ أم هي تضرع للرب … لحفظ الشرق وإخراجه من بوثقة الدم التي يسبح فيها؟

يتوجب علينا قبل المضي قدما في حديثنا هذا، وضع تصنيف مشهدي آني حول واقع الشرق، لملامسة تلك التحولات لوضع اليد على الأسباب التي ساهمت في تفجير واقع الشرق.

بالتالي وفي خضم جو الخوف والرعب الذي أججته الأحقاد و الأثقال الطائفية وكذلك المذهبية التي تغديها المصالح الذاتية والفئوية، التي لاتخدم في الغالب مصالح هذا الشرق الذي كشفت عورته وصار بلا ستار يحجبه عن حاله هذا.

زمن دواعش، أبانوا للعالم حرفية في ممارسة كل أشكال الذبح والتنكيل، وهذا دليل على أن الشام دخلت عهدا أخيرا من تاريخها.

في هذا الجو ارتأيت أن أمارس نوعا من التأويل الشخصي لظاهرة مروان الفنية هاته، من خلال عمله المومئ أعلاه صلاة فنان ، فقلت مع نفسي أهو تخندق وتمدرس فني اختاره مروان؟

قد يقول قائل أني مارست نوعا من التعسف والتكلف في تفسير هذه المقطوعة، لكنني أرى أن الأسباب التي سبق وذكرتها قد تكون دافعا وراء هذا العمل.

فمروان خوري فنان رومانسي في عرف النقاد والمتتبعين، لكن لابد من إبراز رسائله ورؤاه بل وحتى فلسفته التي يجسدها في أعماله الفنية التي يصوغها كتابة ولحنا.

إن ترنيمة صلاة فنان من هذا القبيل هي مقطوعة مارس فيها مروان نوعا من التضرع بأسلوبه الخاص عبر أهداف صغيرة وكبيرة، دأب على حياكتها بنزقه الإنساني الشاعري المتعبد وطموحه الهادف نحو السلام حينا، أو الحب في منتهاه حينا آخر، أو نحوهما معا في بقية الأحايين.

ففي زمن خفتت فيه كل الأصوات العربية خوفا وقهرا، ارتفع صوت مروان وهو يشدوا من أجل صلاة فنان، كأنه يناجي في أغنيته البديعة وصوته الشجي، صورة الوطن الحزين الذي طال هذه البلاد المقدسة.

فمروان في مقطوعته هذه يعكس رؤية فلسفية دينية، يرسل من خلالها إلى عموم الشرق والعالم، أن السلام والحب هما طوقا النجاة.

إن مروان في هاته القصيدة يخاطب ربا واحدا ويتكلم عن إلاه واحد تفاديا وهروبا من جو الطائفية والتفرقة التي حلت بالشرق على العموم.

فمروان هنا أشبه بصوفية الإسلام كالحلاج وابن الفارض وابن عربي الذين قدموا درسا إنسانيا في التسامح.

إن مروان بعمله الأخير هذا، جسد في نظري تجاوب الفنان ونقاشه لواقعه التاريخي الذي عاش في خضمه، وإن بدت القصيدة لمستمعيها كترنيمة دينية، فإنها تعكس في نظري رسالة قوية من فنان استثنائي إلى منطقة موشكة على قيامة عظمى، وعلى عهد أخير من تاريخها.

إن قصيدة مروان خوري هي إحتفال بالإنسان وتكريم له في زمن لم تعد فيه للإنسان الشرقي قيمة لدى الدواعش الذين استباحوا كل شيئ.

إن قصيدة صلاة فنان أتبثت أن مروان وعلى مرحلة سابقة من الحلم، يأبى إلا الإقتراب من الواقع الراهن وما يشهده من ثورات عربية خريفية ساهمت بتشتت بلاد العرب وتقسيم المقسم من جديد، وتوهان الشارع العربي إلى شوارع، واستغلال جرثومة التطرف الديني، وهذا هو سبب الخوف عند مروان من أن يصرخ…يبوح و يقول: نضال لم يعد يعرف هدفه.

فمنذ هذه اللحظة دخل مروان في حضرة المطلق بتأليفه للألحان الروحية نتيجة معانات الوطن العربي وأبناءه من الحرب وويلاتها واقتناعا منه بأن كل أعمال الإنسان لا يتوجها سوى علاقته بالإلاه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *