آخر ساعة

لا وازع روحي و لا وازع ديني

تعتبر جبهة البوليساريو والتي تحتجز منذ اكثر من أربعين سنة مئات الصحراويين داخل الستالاك الكبير بتندوف حركة انفصالية مليشياوية اعتمدت في تأسيسها على التناقضات الجيو استراتيجيه الإقليمية والدولية في مرحلة الحرب الباردة من اجل إيجاد موطأ قدم لها في المنطقة

استغل البوليساريو بعد تأسيسه الصراع بين المغرب والاستعمار الاسباني في عهد الجنيرال فرانكو من اجل استرداد الصحراء لكي يبدأ نشاطه العسكري في هذه المنطقة إبان تواجد الاستعمار الإسباني وذلك بالهجوم في 20 مايو 1973على الحامية الإسبانية بموضع الخنكة مدعوما من قوات القذافي و بومدين ، اللذان قاما أنداك بتوفير معسكرات لتدريب أعضائه ولتقديم الدعم اللوجيستيكي .

عملت كلتا الدولتين بالإضافة إلى المستعمر الاسباني على اللعب بورقة المرجعية اليسارية و المذهب الماركسي اللينيني وتارة بورقة القومية و بدعم عدد من دول العالم الثالث التي كانت تتبنى آنذاك هذه الأطروحات لمساندة مشروع البوليساريو للانفصال بالصحراء المغربية.

كما عمل النظام الجزائري على دعم هذه الحركة الوهمية من اجل تأسيس جمهورية فريدة من نوعها تستند على المعطى الجغرافي- المناخي تحت مسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والدفع ببعض المنظمات الإقليمية والقارية مثل المؤتمر الإفريقي للاعتراف بها ضدا عن المنطق و مقتضيات العلاقات الدولية وحسن الجوار .

تم تقديم هذه العصابة في البداية على اعتبارها حركة تحررية تدافع عن حق شعب في الاستقلال و عملت بالتالي على بناء علاقات خارجية مع بعض الدول خاصة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا السوداء بدعم مكثف من الآلة الدبلوماسية الجزائرية و بتمويل من القذافي و بالاعتماد على الدعاية الإيديولوجية الاشتراكية لتسويغ وجودها و مظاهرها المسلحة وتوجهاتها الانفصالية.

كل هذا جعل البوليساريو تتخذ سياسة معادية للممارسة والهوية الدينية التي تنادي بالوحدة والتآخي ونبذ الفرقة والصراع والاجتماع على كلمة واحدة

لم يكن للمؤثر الديني والروحي الإسلامي أي وجود وأي اثر تماما في فكر و منهجية هذه الحركة الانفصالية بل إن قيادتها اتخذت منذ تأسيسها مواقف عدائية من الدين نظرا لتبني اغلب مؤسسيها النظرية الماركسية اللينينية الملحدة وسبق انضمامهم للحركات الراديكالية في الجامعة المغربية نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي بالرغم من أن إعلانها السياسي عن تأسيس الجمهورية الصحراوية الوهمية تضمن كدبا و بهتانا أنها تتبنى حكم وطني ديمقراطي عربي وحدوي الاتجاه، إسلامي العقيدة، تقدمي المنهج…

عملت عصابة الرابوني خلافا لذلك التصريح ومنذ عهد الولي مصطفى السيد بكل جهودها على ضرب الانتماء الديني الإسلامي والروابط الروحية للصحراويين في مخيمات الاحتجاز بفصلهم تماما عن البيئة الدينية و ضرب كل المقومات الروحية التي تجمع شيوخ و قبائل الصحراء وزواياها وطرقها الصوفية العريقة بأشقائهم وأبناء جلدتهم في الشمال مقابل زرع ثقافة الكراهية والعداء.

وعلى الرغم من أن تاريخ الأقاليم الصحراوية حافل بنماذج العلماء الدعاة والشيوخ والزوايا والطرق الصوفية التي حاربت المستعمر الاسباني والفرنسي و حملت لواء الوحدة بين شمال المغرب وجنوبه و ارتبطت بروابط البيعة الشرعية بسلاطين وملوك المغرب إلا أن البوليساريو أنكر كل ذلك وزور تاريخ المنطقة وعمل على مسخ هويته ومحاربة العامل الديني لأنه لا يخدم أطروحة الانفصال التي تبناها بل بالعكس فالعامل الديني والروحي يؤكد الوحدة المذهبية والدينية و الارتباط الروحي و الوحدة الترابية بين شمال المغرب وجنوبه وسيادة الدولة المغربية على الصحراء منذ تأسيسها قبل نحو 1200 سنة

عملت عصابة الرابوني على التضييق المستمر على مظاهر الممارسة الدينية والالتزام الديني في مخيمات تندوف عكس الانتماء والتعصب القبلي الذي اعتمدت عليه بشكل أساسي وساهمت في بروزه والتركيز عليه من اجل ضمان شرعية مؤسسيها ومحاولة خلق وضع اجتماعي هجين تكون فيه الغلبة لقبيلة الركيبات على باقي القبائل عن طريق اختطاف أبناء القبائل الصحراوية الأخرى وتهجيرهم القسري إلى المخيمات

عمل كذلك البوليساريو على تضخيم التعصب القبلي واستثارته من اجل تأجيج الدعوات الانفصالية لدى أبناء المناطق الجنوبية في إطار خطة ممنهجة بدأها الاستعمار الاسباني منذ بداية القرن الماضي لبث التفرقة والتجزئة وضرب الوحدة الترابية والسياسية والخصوصية الحضارية والدينية المغربية وتم استئنافها في منتصف السبعينيات بدعم مباشر من نظام بومدين في الجزائر بل أنها عملت في محاولة خادعة على التلبيس على الكثيرين بادعاء العروبة رغم أن الصحراء أغلبية سكانها هم مزيج من عرب و أمازيغ تعايشوا في ود وتفاهم لقرون تحت ظل الدولة المغربية قبل أن يضرب الاستعمار أسافين الفرقة والتقسيم في المنطقة

لقد تم التركيز بداية على زرع بذور الانفصال بين سكان الصحراء المغاربة عبر دفعهم إلى الدفاع عن الجهة التي ينتمون إليها – و هي جهة مغربية بمعايير التاريخ و الجغرافيا- باعتبارها منطقة منفصلة عن المغرب و لها خصوصياتها التاريخية و الجغرافية و تبدو لمسة الاستعمار الإسباني جلية في نسج فكرة الانفصال لدى المواطنين المغاربة الصحراويين و الذين تلقوا دعما لا محدودا سياسيا و عسكريا و ماليا من كل أعداء المغرب مكنهم من إخراج الفكرة إلى الوجود..

و تتبث عدد من الشهادات أن قيادة البوليساريو منعت إقامة المساجد بمخيمات تندوف طيلة عقدي السبعينيات والثمانينات حيث يقول مصطفى سلمى ولد سيدي مولود احد القياديين السابقين في الجبهة في حوار سابق له ”أن جبهة البوليساريو ارتكبت أخطاء شنيعة  و فضيعة في حق الدين الإسلامي، لأن جبهة البوليساريو وجدت المجتمع الصحراوي مجتمعا محافظا وبدرجة قياسية جدا، ولما أُخذ هذا المجتمع إلى المخيمات تم تحويله إلى مجتمع شيوعي بامتياز، وتم إجبار الناس كلهم على الصلاة بالتقصير، ومنعوهم من الصلاة أربع ركعات، وكان الصوم ممنوعا، لأن القادة أصدروا فتوى أنه لا يجوز الصوم، ولم تبن جبهة البوليساريو أي مسجد، والشباب الذين طردتهم الجزائر وأحالتهم على المخيمات هم من بنى أول مسجد في المخيمات، وقبلها لم تبن جبهة البوليساريو ولو مسجدا واحدا في أي مخيم من المخيمات، بل بالعكس، وقعت كارثة في المخيمات، وبالضبط في نهاية التسعينات، حيث كان المسجد الوحيد الذي بناه الشباب موجود في مخيم الداخلة، و حوله أحد ولاة البوليساريو إلى ناد خاص للعربدة والمجون و معاقرة الخمور، وهو حدث لم يقع في التاريخ العربي الإسلامي إلا مع سقوط غرناطة الأندلس حيث تحولت المساجد إلى كنائس، ولكن هذه المساجد لم تتحول ابدا الى أماكن للرقص والرذيلة.

هذا ليس بالغريب من طرف مرتزقة همهم الوحيد هو الاغتناء وكنز الأرصدة السرية في بنوك اسبانيا وامريكا اللاتينية ، أو ليس عرابوهم جنيرالات قصر المرادية من تورطوا في ذبح قسيسين ومن قبلهم أئمة ورجال دين؟

اللهم لا شماتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *