آراء

مداخل إنجاح تدبير الشأن المحلي والنهوض بالعمل السياسي

عبدالله علالي
عبدالله علالي

إننا اليوم ونحن على مشارف الانتخابات الجماعية والجهوية لسنة 2015 يمكن أن نعتبر بأن هذه المحطة تؤكد على أن الفعل السياسي في المغرب يجب أن يشق طريقه نحو الأحسن، ولا سيما وأن هناك انتقادات موضوعية صريحة للمشهد السياسي الحزبي، يتحمل فيه المسؤولية كل المتدخلين من أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات المجتمع المدني بشتى تصنيفاتها وباقي المواطنين باعتبارهم الفئة الناخبة والمسؤولة على اختياراتها في إنتاج النخب المسيرة للشأن المحلي.

فالوضع السياسي الراهن الذي نعيشه هو نتاج عدة عوامل ليست وليدة اللحظة بل تراكمت لعدة سنوات، انطلاقا من الصورة القدحية والنمطية التي أصبحت مرسخة في دهن جل المواطنين الذين اصبحوا يميلون إلى فقدان الثقة في العمل السياسي جراء خلط الأوراق وعدم معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور التدبير المحلي للجماعات المحلية والتي تأسست في سياق تاريخي كان الهدف منه هو جعل من الجماعة وحدة مستقلة في تدبير شؤونها المحلية عبر تقليص اختصاصات السلطة المركزية وإعطاءها بعد اللامركزية وجعل المواطنين يسيرون شؤونهم المحلية بأيديهم.

لكن للأسف فإن هذه التجربة بشهادة المهتمين بالشأن المحلي لم ترقى إلى طموحات الساكنة المحلية ولا سيما وأن الميثاق الجماعي لسنة 1976 ورغم بعض التعديلات التي أدخلت عليه في إبراز مفهوم الجهات والأقاليم ونظام وحدة المدينة، فإنها عرفت عدة إختلالات وتجاوزات حقيقية ساهمت في فشل السياسة اللامركزية الحقيقية حيث لم يستوعبها العديد من المنتخبين المسيرين للشأن المحلي الذين يفتقدون للبوصلة التنموية المحلية حيث فضلوا الاغتناء بسرعة، جاعلين مقاعدهم ممرا لتحقيق أهدافهم الذاتية على حساب متاعب وتفقير الساكنة المحلية وعلى حساب المالية المحلية، رغم سلطة الوصاية التي لازمت هذه التجربة ومازالت تلازمها والهاجس التحكمي الذي مارسه البعض حيث لعب هو الأخر دور الفرملة في هذه العملية.

هذه الصورة القاتمة ليست في كل المنابر الجماعية حيث يمكن أن نجزم بأن هناك جماعات نظيفة قامت بأعمال جليلة للساكنة المحلية وكسبت الرهان و لكن هذه التجارب تبقى قليلة، لذا فن السؤال المطروح هو كيف يمكن أن نحول هذه القلة إلى كثرة؟

إن تخليق العمل السياسي في المغرب يبدأ بدمقرطة الأحزاب وتقويتها وصولا إلى أحزاب سياسية قوية بمناضليها وبشبيبتها وهذا بطبيعة الحال ينطلق من تكافئ الفرص بين كل الأحزاب في جميع المستويات، فمعظم الأحزاب السياسية و حتى الكبيرة تفتقد إلى بنيات استقبال كافية من مقرات للأحزاب حيث تبقى موسمية وخاصة عند كل الحملات الانتخابية.

فالدعم التي تقدمه الدولة للأحزاب يعتبر من المداخل المساهمة للتوغل داخل كل المناطق قصد تتبع و مسايرة التدبير المحلي والتشريعي والتنفيذي، فبدون شك الحصول على بنيات استقبال كافية سيساهم لا محالة في تقريب الأحزاب من المواطنين، وسيخلق دينامية تنظيمية حزبية تنافسية قوية.

ويمكن القول بأن الأحزاب السياسية التي تعرف البيروقراطية التنظيمية والتناقضات والتناحرات وتغييب النقاش السياسي الحقيقي واتخاذ القرارات داخل الأجهزة التنظيمية يضعف من قدرتها وينمي الريع السياسي ويغلب نظرية الزعيم وومريده وهذا بدون شك له تأثير كبير على الخط السياسي للحزب وعلى الالتحام فيما بين مناضليه وعدم القدرة على استقطاب منخرطين جدد داخل الأحزاب، فضلا على ما يمكن تسجيله من البيع والشراء في التزكيات للأعيان مما يبخس من قيمة مجموعة من المناضلين ويدفع بهم إلى الرجوع إلى الوراء والعزوف السياسي وخلق الانشقاقات بحثا عن البديل، لكن للأسف فإن هذه الحركية الحزبية الجديدة تساهم في إضعاف الحزب وتسهل المأمورية للقوى الظلامية والمفسدين للتحكم في مصير المشهد السياسي وجعله مشتلا للانتفاع.

والحالة هذه فإن التنافس على ترشيح عدد كبير من المرشحين في مثل هذه المحطة يؤكد أن على الهدف الأسمى هو الحصول على عدد كبير من المقاعد وصولا إلى تسيير أكثر عدد ممكن من الجماعات الترابية والجهات، و التواجد بكثرة في المؤسسة التشريعية، وهذا بطبيعة الحال مطمح كل الأحزاب، لكن كم من الشرفاء داخل هذه الكتلة من المرشحين تقدموا لهذه المحطة؟

وهذا يجرنا كذلك لطرح السؤال التالي: من هو المسؤول عن هذه الوضعية؟

إن الإجابة على هذا الإشكال يمكن أن نربطه بعدة مداخل أساسية لترسيخ الفعل السياسي الحقيقي بدءا بالتربية و التعليم وترسيخ الثقافة السياسية عبر مناهجنا التربوية و أطرنا التربوية بالتٍآطير السياسي والتشجيع على ممارسته وخلق دينامية قادرة على المشاركة السياسية الفعالة من أجل مغربي قادر على تحدي كل الإكراهات.

ومن هنا يتضح بأن مازال هناك الكثير ما ينجز في ورش التعليم الذي فشلت الحكومات في تدبيره بشهادة التقارير الوطنية و الدولية فتربية الناشئة على التشبع بالقيم والمبادئ الحقيقية والإيمان بالعمل السياسي النظيف كمدخل للاختيارات الإستراتجية لفائدة التنمية بشكل عام، يمكن أن يعفينا من الانحراف نحو العزوف السياسي وسد الطريق على المفسدين وأباطرة الانتخابات.

وتبقى القوانين المؤطرة للانتخابات من بين المداخل كذلك التي قد تساهم في محاربة الخلود في مناصب تدبير الشأن المحلي بترسيم منطق التداول على المسؤولية في التسيير الجماعي والجهوي، فلا يعقل أن يبقى رئيس الجماعة أو الجهة قابعا في منصبه لعدة سنوات وهناك أمثلة عديدة لا داعي لذكرها، كما أن تعدد المسؤوليات لا يؤهل المسؤولين على القيام بمهامهم أحسن قيام، فرئيس الجماعة ونوابه يجب ان يتكلفوا بما هو شأن محلي ورئيس الجهة ونوابه يتكفلوا بما هو جهوي و الوزير مسؤوليته هي الإنكباب على وزارته والبرلماني تخصصه هو التشريع و القوة الإقتراحية.

كما أن عدم تطبيق مستوى معين من التعليم في تحمل المسؤولية التدبيرية تبقى من المعيقات وخاصة في الجماعات القروية التي هي في حاجة ماسة إلى كفاءات تبتكر الطرق لتنشيط الموارد والتنقيب عنها وتحصيلها.

وتبقى العدالة الاجتماعية مدخلا أساسيا وهنا هو بيت القصيد، حيث إنها نتاج التدبير الحكومي بالأساس والمحلي بالدرجة الثانية، فالمسؤول على توفير الشغل للعاطلين والتعليم النافع والصحة للساكنة والسكن و … هي الحكومة أي السياسات العمومية الكبرى، أما الجماعة فهي مسؤولة على تعبيد الطرق والأرصفة الداخلية وتدبير المرافق محلية من إنارة ومساحات خضراء وغيرها.

ومن هنا يمكن أن نقول بأن المسؤولية في مجملها هي مشتركة ويبقى المواطن سواء الناخب أم غير الناخب له نصيبه من خلال إعطاء صوته لمن يستحقه أو عزوفه على عدم المشاركة في الانتخابات، والذي يبيع صوته فإنه باع تنمية حيه وسكان جماعته وبالتالي باع وطنيته.

فبالمناسبة ونحن نعيش هذه الحملات الانتخابية للجماعات الترابية و الجهوية نلمس عدم الاهتمام بالشغيلة الجماعية هذه الشريحة من الموظفين تتحمل مسؤولية جسيمة عبر الإشراف عن هذه المحطة التاريخية كما كانت دائما تفعل، ومسؤوليتها تتضح من خلال تنفيذها للقوانين التنظيمية للانتخابات سواء الجماعية والجهوية والمهنية بل كذلك حتى التشريعية أي أنها تؤدي واجبا وطنيا كبيرا، يجب الاعتراف بمساهمتها في العملية الانتخابية.

وهذا يجرنا لإثارة مسألة عدم السماح للموظف الجماعي الذي يشتغل ويقطن في جماعته الترشح لمثل هذه للانتخابات الجماعية وهذا يعتبر ضربا للحقوق السياسية لهذه الفئة وتناقضا مع المقتضيات الدستورية، اعتبارا لكون الأستاذ والطبييب والفقية و … الذي يقطن في دائرة جماعته يحق له الترشح وهؤلاء هم أكثر تأثيرا من غيرهم على الفئة الناخبة.

إن التركيز على المداخل المذكورة سالفا تبقى من المفاتح التي يمكن أن تقوي التدبير المحلي والعمل السياسي الذي نحن في الحاجة إليه ولكن أهم ما يمكن أن نركز عليه في الفترة الحالية هو حسن اختيار المرشحين في المحطة المفصلية لأن ليس كل المرشحين فاسدين بل هناك كفاءات وشرفاء ومناضلين تقدموا لأنهم واثقون بأن انخراطهم في هذه العملية يفوت على أباطرة الانتخابات والمفسدين مقاعد تكون لا محالة في صالح الرفع من مستوى التدبير الشأن المحلي و قنطرة للقضاء على الريع الانتخابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *