مجتمع | هام

عسل الجنوب المغربي.. رحلة “الشتاء والصيف”

مع بداية حلول الشتاء يضطر مربو النحل في منطقة تزنيت للسفر بخلاياهم إلى ما يزيد على 700 كلم شمالاً، ليغذي النحل نفسه على رحيق أعشاب أخرى، غير تلك التي ألفها في الصيف، ليُخرج عسلاً بنكهات مختلفة.

وفي مناحل تزنيت وعلى طول الشريط الساحلي يتغذى النحل خلال فصل الصيف على أعشاب ونباتات “الدغومس”، و”الزعتر”.

وتُعرف تزنيت، ومناطق الجنوب المغربي عموماً، بأعشابها ونباتاها الطبية الكثيرة، التي يتخذها النحل مرعى له، والعسل اسماً له، ويجعل مربو النحل من الأرض التي تنبت عليها مجالاً لحرفتهم ويتخذونها “مناحل”.

1

في منطقة منبسطة قرب مدينة تزنيت “تتخذ التعاونية الفلاحية” لتربية النحل وإنتاج العسل، منحلها الأصلي، حيث تنتصب أعشاب “الدغومس” الشوكية، منطقة يقول عنها الحسين الأزرق، رئيس التعاونية، إنها “تتميز بنحلها الصحراوي الأصفر، الذي يقاوم الحرارة، وبجودة عسلها العالية، مقارنة مع المناطق الأقرب للبحر، حيث ترتفع نسبة الرطوبة ما يؤثر على جودة العسل”.

يستمر الحسين وشركاؤه في المنحل “القاري” من 15 يونيو  إلى 20 غشت، قبل أن يجنوا العسل في هذه المنطقة، والانتقال إلى منطقة أقرب إلى البحر على شريط ساحلي يصل حوالي 70 كلم في اتجاه سيدي إفني، في النصف الثاني من إنتاج “الدغموس” والاستقرار فيها إلى بداية أكتوبر.

2

في بداية موسم الشتاء، يضطر النحالون إلى الاستقرار في مناحل تقع في منخفض تكون فيه المؤثرات البحرية دافئة، لتبدأ مرحلة يطلقون عليها “الإعداد الشتوي”، حيث يستريح النحل لغياب ما يرعى عليه، ويتعهد النحالون برعايته والتفرغ لمعالجة الأمراض التي قد تصيب الخلايا.

وبين فبراير ومارس يعمل هؤلاء على تكثير المنحل وخلايا النحل.

يقول الأزرق إنه بالنظر إلى الحداثة التي طالت قطاع تربية النحل وإنتاج العسل بالمنطقة إلا أنهم باتوا يتحكمون في تحسين سلالة النحل وجودة عسله، وذلك بفضل الدعم الذي يجدونه من قِبل برنامج للبنك الدولي للدعم والتكوين، عبر تعاونية تشمل جميع النحالين بإقليم تزنيت.

3

ويُنتظر أن تتفتح بالمنطقة ثلاث وحدات صناعية لإنتاج وتربية ملكات النحل، وإنتاج الغذاء الملكي، وحبوب اللقاح، وكذا إنتاج الخلايا الخشبية الفارغة، وشمع الأساس الذي يملأه النحل بالعسل، خالية من المواد الكيميائية أو المشتقات البترولية التي ينفر منها النحل، حسب بوجمعة بوزهور، الأمين المالي للتعاونية، في حديثه مع الأناضول.

يقسم نحالو التعاونية “لنهضة أولاد جرار” في المنطقة خلايا النحل إلى مجموعات، حسب نوع النبات الذي يرعى عليه، بين من يتغذى على “الدغموس” أو “الزعتر” أو غيرهما، كما يفرقون بين النحل العنيف والمسالم، مع سعيهم المستمر إلى تغيير العنيف ليصبح مسالماً من خلال تغيير الملكة.

ولا يقتصر النحالون في عملهم على تزنيت والمناطق المحيطة بها، بل إنهم في فصل الشتاء، وفي غياب النباتات التي يرعى عليها النحل، يضطرون إلى التنقل بخلاياهم ليلاً لمسافة قد تصل إلى 700 كلم شمالًا، بمنطقة سيدي سليمان، حيث يكثر “النحل الأسود”.

وإذا ما حل النهار قبل الوصول إلى المنحل يضطرون إلى التوقف طيلة النهار لكي يستريح النحل، ومع حلول الليل ثانية يعاود “موكب النحل” رحلته إلى حيث النحل المقصود، مع توفير أسباب الحياة وخصوصاً الماء.

ويستمر النحل في الرعي على نبتة ما لمدة قد تتجاوز الشهر بيومين أو أربعة أيام، قبل الانتقال إلى منطقة ونبتة أخرى.

في رحلة تربية النحل يظل النحالون متيقظون تجاه الطيور والحشرات التي تأكل النحل أو حتى الملكة، أشدها وأكثرها فتكاً حشرة اسمها “لافارواز” صغيرة جداً، لكنها تمتص النحل، إضافة إلى مرضين اثنين يطلقون عليهما “الحضنة الأوروبية”، و”الحضنة الأميركية” نسبة إلى موطن اكتشافهما، حتى الضفادع والقنافد لا تسلم خلايا النحل منهما.

4

وتأسست التعاونية الفلاحية “لنهضة أولاد جرار” عام 2012 من قبل مجموعة من الشباب خريجي الجامعة المغربية في تخصصات مختلفة، لكن أغلبهم بعيد عن تخصص الفلاحة أو تربية النحل، كما يقول بوجمعة بوزهو، إنهم اجتمعوا في إطار مشروع للتشغيل الذاتي.

ووفق بوزهور، فإن الإنتاج السنوي من العسل في المنطقة يترواح بين 3000 و5000 كيلوغرام، وأن التعاونية تعتمد في تسويقها لمنتوجها من العسل على معارض دولية، خصوصاً في فرنسا، وكذا معارض في المغرب، إضافة إلى الزبائن المباشرين.

5

ويوجد العسل في المغرب بنكهات مختلفة، حسب نوع الأعشاب والنباتات الطبية والعطرية، التي تصل إلى العشرات، باختلاف المناطق الصحراوية والساحلية، منها “الليمون”، و”الدغموس”، و “أركان”، و”الإكليل”، و”الخروب”، و”الخزامى”، وغيرها كثير.

ويدعو بوزهور لاكتشاف هذه الأعشاب والنباتات، وإدخال العسل الذي وصفه بالمادة “المقدسة” في الثقافة الغذائية والصحية اليومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *