آراء

الحزب السياسي المغربي بين ثقافة المناضل و “عقلية الزبائن”.

لم يخضع أبدا الحزب السياسي في بلادنا إلى مجموع المحددات المفاهيمية و المعايير التصنيفية التي وضعها فقهاء القانون الدستوري و المختصون في العلوم السياسية. فإذا كانت طموحات الحزب و مسببات وجوده هي المشاركة في ممارسة السلطة، و اقتسام الدور التنظيمي و التأطيري و التدبيري للحياة العامة مع جهاز الدولة البريوقراطي و التقنوقراطي، فإن عددا من الأحزاب في بلادنا و بالنظر إلى ظروف نشأتها و تطورها لا تتمثل هذا التصور، و لم تحدد لنفسها أي دور أو يمكن القول أنها سلبت أدوارها الحقيقية لتقوم فقط بمهمة محددة زمنيا و حتى جغرافيا.

عدد من الأحزاب تبنت مرجعيات فكرية و فلسفية واضحة و حددت لنفسها ادورا سياسية و اجتماعية مرتبطة بمنظومة القيم التي تحيل عليها مرجعياتها تروم الكرامة و المساواة و العدالة الاجتماعية و التخليق و إحقاق الحقوق لذوويها و غيرها من الأهداف و المرامي ، و تعد هذه الأدوار مقدسة بالنسبة إليها بل أكثر من ذلك تضع وجودها أحيانا في خانة الضرورات الإنسانية، الشيء الذي يحدو بها لزاما إلى وضع برامج و خطط تواصلية و إعلامية و تكوينية لاستقطاب مناضلين حقيقيين، بإمكانهم التضحية بكل شيء من أجل هذه القيم و إن كان الثمن هو الاعتقال و الإضطهاد أو الإقصاء و غيرها.

أحزاب أخرى لم يكن وجودها في المشهد السياسي حاجة فلسفية أو اجتماعية بقدر ما كان إخراجها إلى الحيز السياسي فقط من أجل أداء مهمة محدودة داخل الزمان و المكان، و غالبا ما تكون هذه المهمة محددة في عرقلة توسع الأحزاب التي حددت لنفسها أدوارا واضحة داخل النسق السياسي و السوسيوثقافي و التي لها من عناصر القوة و التأثير مايؤهلها لتغيير أو توجيه قيم السلطة التي ينبني عليها النظام أو النسق السياسي ككل. و من جهة أخرى كان ظهورها و توسعها بهدف تأطير تشكيلة إجتماعية أو عرقية غير منصاعة للإجماع الوطني من وجهة نظر جهاز الدولة، من أجل تهذيبها و صهرها داخل المجتمع بعد تحوير و ظبط قناعاتها.

حزب المهام لا يسعى إلى بناء مؤسسات حزبية يعمرها مناضلون تشبعوا بمرجعية الحزب و لا يسعى إلى خلق ثقافة نضالية دفاعا عن القيم ذات البعد الحقوقي الإنساني عموما   ذات التجليات الإحتجاجية داخل التنظيم و خارجه إن اقتضى الأمر. مشروعية حزب المهام مستمدة من وفائه لمصدر قوته، المصدر الذي رسم له المهمة و مكنه من أدوات البقاء و التواجد في مؤسسات البلاد و هيأ له وعاء حركته داخل المشهد العام خلافا لحزب الأدوار الذي يؤسس مشروعيته على مساره النضالي التاريخي، على العمل من أجل تثبيت قيم الحق و على الحاجة الإنسانية و الاجتماعية لظهوره. ليس من أولويات حزب المهام المؤقتة التي يمكن أن تصبح مؤقتة دائمة حسب الحاجة السياسية و حسب ظروف الزمان و المكان ، ليس من أولوياته تبني المسار التقريري الديمقراطي إن على المستوى الداخلي أو على مستوى اشتغاله داخل جهاز الدولة و انبثاقاتها المتشعبة، بل يعمل دائما هذا الصنف من الأحزاب على جلب « زبناء » يتداولون فيما بينهم المصالح في عملية شبيهة بعملية بيع و شراء و مقايضة خصوصا في المحطات الإنتخابية. هذا المنطق جعل عددا من الاحزاب السياسية بمثابة استثمارات أو مشاريع مدرة للدخل، ليس لها اي أدوار بل أصبحت أحزابا للتيه و الضياع، غاب فيها المناضلون و انتعش فيها الزبائن.

في ظل هذه الأفكار ينبع التساؤل المشروع عن هوية و سيناريوهات التحالفات الحزبية أو السياسية، سواء في إطار الأغلبية المسيرة للشأن العام أو في إطار المعارضة، من يتحالف مع من و من يكمل م؟ من يستعمل من هل صاحب الدور أم المكلف بمهمة؟ هل هناك نحن بصدد تشكل قواعد جديدة للعبة التوازن بين صاحب المهمة في مواجهة صاحب الدور أم هناك هيمنة و توجيه تحكمي من حزب المهمة لأحزاب الأدوار؟ هذه التساؤلات قد تشكل منطلقا لبحث سوسيولوجي عميق لطبيعة الفاعل السياسي المغربي في المستقبل.

و خلاصة القول، لا يمكن الحديث عن أي تطوير أحادي الجانب- من طرف الدولة و الإدارة- للمسار الديمقراطي في بلادنا في غياب تطور في البنيات العضوية و الذهنية الحزبية و وضوح في أدوار كل حزب على حدى وفق مرجعية نسقية و معرفية.

 

إدريس بنيعقوب:

منتدب قضائي من الدرجة الأولى بوزارة العدل و الحريات.

باحث في القانون الدستوري و العلوم السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *