رياضة

المدربون الانكليز عملة نادرة ام في “طور الانقراض”؟

حين تعاقد آرسنال قبل 20 عاما مع الفرنسي ارسين فينغر لتدريبه، صدرت بعض صحف “التابلويد” وعلى صفحاتها الاولى عناوين تسأل وتستفسر عن ذاك القادم الى الجزيزة، ليبحر في قاربه من مرفأ اندية الدرجة الاولى الذي يضم 17 ربانا انكيزيا (مدربا محليا) واسكتدنيين وايرلندي واحد.

لكن شتان بين تلك المرحلة وما يعيشه الـ”بريمييرليغ” حاليا، لا بل تحديدا منذ سنوات. ففي الربيع الماضي، كان “الدوري الاول” يضم ثلاثة مدربين انكليز فقط: الن بارديو يقود كريستال بالاس، ايدي هاوي بورنموث، وسام الاردايس (صاحب الفضيحة الاخيرة) سندرلاند.

وهذا الموسم يضم البريمييرليغ اربعة مدربين انكليز، بعدما اضيف مايك فيلان الى اللائحة. اذ يقود بارديو كريستال بالاس وهاوي بورنموث، ويشرف مايك فيلان على هال سيتي وشون دايك على بيرنلي. وهم بالطبع مناضلون مكافحون امام هالات البرتغالي جوزيه مورينيو والاسباني جوسيب غوارديولا والايطالي انطونيو كونتي والالماني يورغن كلوب وفينغر. وبالتالي يطرح السؤال عن معضلة هذا القطاع على الصعيد المحلي، وهل ان المدربين الانكليز في البريمييرليغ في طور “الانقراض”؟

واذا كان فينغر اعتبر “نكرة” قياسا الى زملائه الانكليز لدى قدومه قبل 20 عاما، فقد فتح من دون شك ابوابا وشرّع اخرى امام موجات ومفاهيم، سيما انه ارسى قواعد جديدة في الالتزام والتعامل وحتى في الجانب الغذائي للاعبين. وبعد عامين توج ارسنال باللقب وكانت انطلاقة مختلفة لوظيفة “المدير” او المدرب الاجنبي.

ويصف فيلان ما حدث وقتذاك بـ”الثورة”، خصوصا ان لا احد كان يتصور افول “عصر انكليزي كامل”، حين احرز هاورد ويليكنسون لليدز يونايتد اللقب عام 1992، اذ بات آخر مدرب انكليزي يتوج مع فريقه، بصرف النظر عن اسطورة السير اليكس فيرغسون الذي احرز لمانشستر يونايتد 13 لقبا محليا، لكنه اسكتلندي.

ويوضح بارديو (55 عاما)، الذي يعد عميد المدربين الانكليز، بعدما تنقل بين 6 اندية خلال 16 موسما في الدرجتين الاولى والثانية (ريدينغ، وستهام، تشارلتون، ساوثمبتون، نيوكاسل وكريستال بالاس)، ان هناك انطباعا بات راسخا (على رغم انه خاطئ) ان المدربين الانكليز “تجاوزهم الزمن وهم محافظون يرفضون التغيير”. ويتابع: “ما ان يشغر مركز مدرب في احد الاندية الستة الكبرى، حتى يسارع اداريو للبحث عن مرشح قاد فريقا في مسابقة دوري الابطال. ويتناسون انني مثلا اقابل هذه الفرق في الدوري المحلي، وبالتالي نخوض مباريات بمستوى دوري الابطال”.

ويعلق دايك الذي قاد بيرنلي الى الدرجة الممتازة للمرة الثانية في 3 مواسم، انه اذا “نفذت بعضا مما يقوم به المدربون الاجانب يقولون انني متطلب”. وهو لا يجد منفذا لمدرب محلي ليقود ناديا كبيرا الا عبر فوزه مع فريق عادي باللقب او باحتلاله مركزا متقدما، “أنها الفرصة الوحيدة ليدخل مدرب انكليزي بالتالي الى جنة دوري الابطال”.

ويضيف مستدركا: “عندما تقود فريقا بامكانات محدودة تظل تحت الضغط”، وهذا ما حصل في الموسم المنصرم حين سقطت رؤوس تيم شيروود (استون فيلا) وغاري مونك (سوانزي) وستيف ماكلارين (نيوكاسل)، واستبدلوا باجانب.

ويعود الحنين بكثرة الى عام 1984 حيث فاز آخر مدرب انكليزي بالدوري الاوروبي (كأس الاندية البطلة) يوم توج جو فاغان مع ليفربول، بينما حصد بوبي روبسون لبرشلونة لقب كأس الكؤوس الاوروبية عام 1997. وبالتالي، وازاء القحط المسيطر اصبح اي مدرب “محلي” يحقق سلسلة انتصارات مطالبا باحتفال كبير.

ويجزم بارديو ان اعداد المدربين وتأهيلهم اختصاص متطور بات يتطلب الحصول على اجازة مدرب محترف من الاتحاد الاوروبي، وهذه المعايير مطبقة تماما. وبالتالي لم تعد صيغة اللاعبين القدامى المؤهلين لقيادة للتدريب وحمل الصافرة واصدار الاوامر باللاعبين والسخرية مما تنشره صحف “التابلويد” مستساغة.

ويعد فيلان، الذي عمل مساعدا لفيرغوسون مدة 14 عاما (1999 – 2013)، شاهدا على التحول “الجذري” المزعج والمؤلم لكثيرين، خصوصا ان الاندية تدير شؤونها باسلوب التسويق على طريقة الشركات الكبرى، وانتقلت الندية في المدينة الواحدة ومواجهات “الدربي” لتنحصر بين المدربين، كما فترت لا بل انعدمت العلاقة بين المدرب والمجتمع المحلي الضيق. فالاندية الكبرى تبتعد عن جذورها وترتهن اكثر الى رؤوس الاموال الخارجية، التي تفرض رغباتها، كأن يعمد مالك ناد الى تبديل الالوان التاريخية للباس الفريق.

ويتطرق بادريو الى تحد مطالب هو ومواطنوه بتجاوزه، وهو “عقدة الدونية” التي تكبل المدربين الانكليز، علما ان زميله هاوي يشدد على ضرورة التعامل مع الواقع بمنطق وعقلانية، والاجتهاد لتخطيه.

وللسير قدما في “مسيرة استعادة الثقة”، وضعت نقابة المدربين خطة تطوير تتضمن دورات اعداد في القيادة والادارة وفق منهاج دراسي متكامل بالتعاون مع جامعة ليفربول، سعيا الى توسيع المدارك وتعزيز المعارف وخفض نسب الفشل خصوصا في المهام الميدانية الاولى، والتي تودي بغالبية ضحاياها الى مقاعد العاطلين من العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *