مجتمع

هل انتصرت الدارجة المغربية على اللغة العربية؟

صار استعمال اللهجة المغربية أو الدارجة مشاعا بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، في التعليق والتفاعل والمحادثة.

وبعدما كان الاستعمال مقتصرا على مزيج من اللغة العربية الفصحى أو الفرنسية التي تتخللها كلمات عربية، شهدت الشبكات الاجتماعية نمط كتابة جديد بالدارجة تستخدم فيه الحروف العربية.

فهل يندرج هذا السلوك الجديد لمرتادي الشبكات الاجتماعية بالمغرب في نطاق صراع ظل نخبويا بين اللهجة الدارجة والعربية الفحصى؟

 

طبعت بدايات تعامل المغاربة مع وسائط التواصل الاجتماعي، في المراحل الأولى، توظيف الحروف اللاتينية للتعبير والتفاعل باللغة العربية أو اللهجة المحلية الدراجة.

هذه اللغة انتشرت في وقت سابق حتى أخذت لها لقبا معروفا بين المغاربة وهو اللغة “العرنسية”.

الآن صار السائد استعمال الأحرف العربية تماما في الكتابة بالدارجة، فهل يعني ذلك أن الدارجة انتصرت؟ وما دلالة هذا التحول؟

أحمد عصيد، الذي تنبأ بطغيان الدارجة على اللغة العربية الفصحى في الفضاء التواصلي مستقبلا، مؤسسا كلامه على خصوصية اللهجة الدارجة، التي تمنح تعابيرها، حسبه، لغة حميمية عفوية تستميل المغاربة أكثر.

ويرى عصيد أن مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب يميلون أكثر نحو الحميمية والمباشرة، وهي الشروط التي لا تتوفر في اللغة العربية الكلاسيكية، الموجهة للخطاب الكلاسيكي النظري للنخبة، حسب المتحدث.

قليل من العربية بحروفها وكثير من الدراجة بعباراتها ومصطلحاتها، هي الخلطة التي وصفها الباحث الأمازيغي، بـ”الحلقة” ضمن مسلسل تطور اللغة العربية الطبيعي، مضيفا “الاتجاه العام بالبلاد بدأ يسير منذ الاستقلال نحو تطوير اللغة العربية إلى لغة وسطى”.

عامل التقنية

معطى تطور اللغة يتقاسمه أيضا أستاذ اللغة العربية بمعهد التعريب بالرباط، محمد الراضي، الذي يرى أن توظيف الحروف العربية في التعبير عن طريق الدارجة المغربية أمر طبيعي، كما أنه هو الأصوب والعامل الذي سيمكن، حسبه، من تطوير اللغة العربية مستقبلا وليس القضاء عليها.

وفي تفسيره لهذا التحول من كتابة محتوى بالدارجة بحروف عربية عوض اللاتينية، يؤكد الراضي، على أنه “في السابق لم تكن الأجهزة الرقمية والهواتف الذكية توفر ملمسا (يقصد لوحة مفاتيح الحاسوب) بحروف عربية على نطاق واسع”، لذلك يقول المتحدث ذاته إن “الناس اضطروا إلى كتابة العربية بحروف لاتينية”.

السير نحو العربية

بدوره سار الباحث في التاريخ، المعطي منجب، في الاتجاه ذاته، حينما أكد على “أن هذا التحول تتحكم فيه مسألة تقنية راجعة إلى العامل التكنولوجي الذي لم يكن يتعامل بشكل جيد، مثلما هو الحال عليه اليوم، مع اللغة العربية”.

ويقول منجب، إن “الهواتف الذكية لم تكن توفر الحرف العربي لمستعمليها مما دفعهم إلى تعويضه بالحرف اللاتيني”.

المتحدث ذاته يشير أيضا إلى أن التطور يدفع في اتجاه الابتعاد عن الحروف اللاتينية منذ استقلال البلاد، مقابل التوجه أكثر نحو توظيف الحروف العربية واستعمال اللغة العربية أو الأمازيغية أكثر، سواء شفويا أو كتابة.

تطور إيجابي للعربية

توظيف الحروف العربية في الاستعمال اليومي لمرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، حسب رأي رئيس الائتلاف الوطني للغة العربية فؤاد بوعلي، “هو تأكيد على أن اللغة العربية هي جزء رئيسي من الهوية المغربية والذاكرة المجتمعية”.

ويرى بوعلي، أن الاعتماد على الدارجة يتناغم مع فكرة رئيسية واضحة، وهي أن الإنسان يفكر ويحلم ويحب بلغته الأم، وهو ما يضفي عليها طابع الحميمة والعفوية.

ويضيف “هذا التوظيف يمثل مسألة إيجابية بالنسبة لتطور اللغة لأن استعمال الحروف العربية يساهم في ترسيخ العلاقة بينها وبين المغاربة في أفق ضمان تطورها باستمرار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *