ملفات

ما سبب استقطاب الجماعات المتشددة للمغاربيين في أوروبا على الخصوص؟

كثيرة هي الجرائم الإرهابية التي نفذها متطرفون من جنسيات مختلفة، لكن كان لافتا أن عددا كبيرا منهم مغاربيون، ولدوا بأوروبا، وأظهرت تحركاتهم الإرهابية ولاءهم لجماعات متشددة.

فما سبب استقطاب الجماعات المتشددة للمغاربيين في أوروبا على الخصوص؟ كيف يصير هؤلاء حطبا لنيران الكراهية باسم الدين؟

قائمة الإرهاب

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي استهدفت أميركا، شهدت أوروبا سلسلة من الهجمات الإرهابية ضربتها بقوة واستهدفت عدة عواصم ومدن باستخدام وسائل هجوم مختلفة.

وأصبحت وسائل إعلام عالمية تتداول أسماء لمتطرفين من أصول مغاربية، فخالد قلقال، ذي الأصول الجزائرية، اتهم بالتسبب في مقتل ثمانية فرنسيين وجرح قرابة المئة، إثر عملية إرهابية قام بها سنة 1995.

ومحمد مراح، ذي الأصول الجزائرية أيضا، قام بعمليات إطلاق نار وقتل جماعي في “ميدي بيرينيه” الفرنسية سنة 2012، جمال زوقام وعثمان القناوي، وهما من أصول مغربية، كانا وراء تفجير محطة القطار بمدريد سنة 2004. كما ضلع شاب من أصل ليبي في عمل إرهابي ببريطانيا العام الماضي.

“قائمة المتطرفين من أصول مغاربية طويلة، ولم تطو لغاية الساعة”، هذا ما يخلص إليه الأستاذ الجامعي، الهادي عبد اللاوي.

وتشير مصادر إعلامية، نقلا عن أجهزة الأمن الأوروبية، إلى أن الكثير من المغاربيين توجهوا لسورية للانضمام إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، وكانوا من أشد الإرهابيين دموية، واحتمال عودتهم لأوروبا بات يؤرق المسؤولين هناك، فكيف يمكن فهم ارتباط الإرهاب بشباب من أصول مغاربية؟ وهل من حل لانتشالهم من مستنقع التطرف، أم أن الحل الأمني هو الأنجع؟

تهميش أم استقطاب؟

بداية الفهم تنطلق من طبيعة الخطاب الديني الذي يتلقاه مغاربيون متشددون في أوروبا. فقد أوحت فتاوى التشدد لكثير من هؤلاء أن الإسلام جاء ليلقن الناس بحد السيف، أو “هكذا فهم المتطرفون رسالة الدين السمحاء”، يقول الأستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة ليون الفرنسية، الهادي عبد اللاوي.

ويردف عبد اللاوي، معلقا على الرأي السائد بكون التهميش الذي عاناه هؤلاء المتطرفون داخل المجتمعات الغربية، هو السبب وراء تشددهم بالقول: “لم أر متطرفا يتحدث عن معاناته في صغره، أعتقد أن الحديث عن التهميش، لا يعدو التماس أعذار لهم”.

وفي سياق تحليله، يؤكد عبد اللاوي أن “المجتمعات الأصلية لأبناء المغتربين وأحفادهم تخلت عن واجب النصح لهم وتقديم يد العون، بحكم روابط الدم والأمومة الاجتماعية التي تتغنى بها”.

أجندة الدم

باريس، برشلونة، لندن وبلجيكا، كلها مدن أوروبية شهدت أحداثا دامية، راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، بسبب “انتشار الفكر المتطرف في أوساط المغتربين من الجيل الثاني والثالث”.

“هؤلاء تحولوا للبحث عن جذورهم، ليس في تقاليد بلدانهم، بل في الدّين الذي لم يتدبروا معانيه الأصيلة”، يقول رئيس المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام، غالب بن الشيخ.

أما الباحث في علم الاجتماع، زوبير عروس، فيعتبر أن سبب تطرف هؤلاء الشباب يندرج ضمن أجندة الدم التي تنتهجها تنظيمات إرهابية مختصة في الجريمة العابرة للحدود، ولا علاقة لتطرفهم بالتربية التي تلقوها في بيوتهم وهم صغار.

ويقول عروس: “التجييش الذي كانوا ضحيته، جعلهم ينساقون وراء تنظيمات إرهابية، دون دراية بالدين ولا حتى بأصول العمل السياسي”.

ويضيف الباحث في علم الاجتماع أيضا: “دخلوا في تنظيمات رأوا فيها المنجي لهم من حضيض البطالة، واستأنسوا لشيوخ مجندين، بسبب غياب الاتصال مع المجتمع الذي يعيشون فيه، من جهة، ومع مجتمعاتهم الأصلية من جهة أخرى”.

​ويعتقد المتحدث نفسه أن توجههم للعمل المسلح كان اختياريا، وفهمهم الخاطئ للإسلام هو من عجل بضلوعهم في أعمال إجرامية.

“لما يئس دعاة التطرف من حشد الشباب بالبلدان العربية، بدؤوا يوظفون المغتربين لعدم معرفتهم بالدين”، يستطرد عروس.

​ويتابع عروس تحليله بالقول: “دخلوا في تنظيمات إرهابية، رأوا فيها المنجي لهم من حضيض البطالة واستأنسوا لشيوخ مجندين، بسبب غياب الاتصال مع المجتمع الذي يعيشون فيه، من جهة، ومع مجتمعاتهم الأصلية من جهة أخرى”.

أما رئيس المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام، غالب بن الشيخ، فيرى بأن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تطرف هؤلاء الشباب فهي “عدم فهمهم للرسالة الحقيقية للإسلام، وعدم مقدرتهم على استشعار سماحته وتمكينه للعلاقات بدل القطيعة التي ارتموا فيها نظرا لعدم نجاحهم على المستوى الاجتماعي بالبلدان التي كبروا فيها”.

أما عن سبيل معالجة ذلك، فيرى المتحدث نفسه بأن “مواجهة من يبتغي لك القتل بكل ما أوتيت من قوة، أمر مفروغ منه”، ثم يستدرك: “لكن الأحوط أن ترافق المؤهلين للتطرف بالموعظة الحسنة، وتبيان الحق من الباطل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *