مجتمع

المغرب العميق يصرخ.. لا أحد يعلم بوجودنا!

“ربما لا يعلم أحد بوجودنا” تقول إحدى ساكنات دوار “توصف صدي” والغصة تخنقها بينما تتحدث عن ظروف العيش القاسية في الدوار، الذي تقطن فيه والبعيد بكيلومترات طويلة عن مركز جماعة إملشيل في جبال الأطلس.

الوصول إلى هذا الدوار ليس بالمهمة السهلة، الرحلة تمر عبر ثلاث مراحل، مرحلة السيارة التي تنتهي عند دوار أولغازي (البعيد بحوالي ساعة إلا ربع عن إملشيل)، تليها مرحلة البغال التي تساعد على قطع جزء مهم من المسافة في الجبال، ثم مرحلة المشي على الأقدام.

سعادة كبيرة تغمر الناس هنا بمجرد ما يرون شخصا غريبا وصل إليهم، فذلك يبث فيهم أملا بإمكانية فك عزلتهم الناتجة عن وعورة الطريق الموصلة إليهم، والتي تزيد من صعوبتها الثلوج التي تتهاطل بكثافة خلال فصل الشتاء.

بساطة وكرم

تعتقد للوهلة الأولى عند الوصول إلى الدوار بأنه مهجور، جميع البيوت مقفلة ولا أثر لأي شخص في الخارج، ففي هذا الطقس كثيرا ما يجلسون في المنازل ويغلقون الأبواب أملا في أن يوفر ذلك القليل من الدفء.

فجأة تفتح الأبواب ويخرج الناس والسعادة تغمر ملامحهم، أناس بسطاء، رغم ظروف العيش الصعبة، يكرمون من يمر ببيوتهم ولا يتوانون عن تقديم كل ما لديهم ولو كان مؤونة أسبوع في وجبة واحدة ترحيبا بالضيف وتعبيرا عن امتنانهم لقطعه مسافة طويلة حتى يصل إليهم.

كثير من الناس في هذه الدواوير يشكون في أن يكون للدولة علم بوجودهم، فهم يعيشون هناك منذ سنوات ولم يسبق لمسؤول أن زارهم، ونادرا جدا ما يمر بهم ضيف ولو على سبيل اكتشاف تلك المناطق.​

في حديثهم كثيرا ما يذكرون الملك، ويعبرون عن أملهم في أن تصل قصص معاناتهم إليه، بالنسبة لهم “هو وحده يمكن أن يساعدهم”، فقد فقدوا الثقة في أي مسؤول آخر سواء كان محليا أو وطنيا.

المأساة مضاعفة بالنسبة للرحل، الذين يؤكد الكثيرون بأنهم “غير مشمولين بالإحصاء” وبالتالي لا تعرف الدولة عنهم شيئا، لكونهم دائمو التنقل، يعيشون الصيف في الخلاء فوق الجبال والشتاء داخل الكهوف والأكواخ.

ظروف قاسية

العزلة التي فرضها انعدام طريق سالك إلى تلك الدواوير جعل سكانها يعانون الحرمان من أبسط ظروف العيش الكريم.

في إحدى البيوت في الدوار، يجتمع الرجال ليناقشوا أوضاعهم، المآسي نفسها تتكرر كل سنة، بل وكل يوم، أطفالهم لا يتمكنون من متابعة تعليمهم، والنساء يعانين الأمرين، بل وقد يفقدن حياتهن أثناء الولادة.

النساء بدورهن لا حديث لهن في لقاءاتهن سوى عن الظروف القاسية التي يعانينها، “لا صحة، لا تعليم، لا طريق.. إنها العزلة التامة”.

رئيس فرع المركز المغربي لحقوق الإنسان بإملشيل، باسو ألتو، يؤكد أن المنطقة تعاني الكثير نتيجة الافتقاد لثلاثة أشياء أساسية هي “النقل، والصحة والتعليم”.

ويشدد المتحدث على أن غياب الطرق السالكة والموصلة إلى عدد كبير من الدواوير في نواحي إملشيل، تترتب عنها كثير من المشاكل المرتبطة أساسا بقطاعي الصحة والتعليم.

كثير من الأطفال لا يتمكنون من متابعة تعليمهم بعد مستوى السادس ابتدائي، السبب حسب المتحدث، أن “الإعداديات والثانويات توجد في مركز إملشيل”، مردفا أن الناس الذين يقطنون في دواوير بعيدة لا يتمكنون من إرسال أبنائهم إلى تلك المؤسسات التعليمية لبعد المسافة، ولغياب داخليات تتوفر على ما يلزم من الوسائل التي توفر ظروفا مريحة للتلميذ.

الصحة ليست أفضل حالا، فمن مرض في تلك الدواوير يصبر على مرضه أو يعتمد على الطب الشعبي، أما بالنسبة للحوامل فيعانين ساعات طويلة من المخاض قبل الوضع، وقد ينجبن بسلام كما قد يفقدن حياتهن، وهنا يشير ألتو إلى أن “15 امرأة حامل توفين خلال السنة الماضية” بينما “توفي توأم مؤخرا” نتيجة للظروف السالفة.

كوكب آخر

يشبه ألتو في حديثه تلك الدواوير بـ”الكوكب الآخر” المعزول عن العالم، مبرزا أن “هناك مناطق لربما لا يعرف أحد أنها موجودة”.

وحسب المتحدث نفسه فإن هناك نحو 500 عائلة في دواوير نائية نواحي إملشيل، “ربما غير معروف أنهم موجودون في المغرب من الأصل”.

أغلب الناس في هذه الدواوير يعتاشون من الرعي، إمكانياتهم محدودة، ومع ذلك يجدون أنفسهم مضطرين لاقتناء مجموعة من المواد الأساسية بأسعار تفوق بكثير الأسعار المتوفرة في المدن.

فحسب الناشط الحقوقي، باسو ألتو، فإنه ونتيجة لوعورة الطرق المؤدية إلى تلك الدواوير فإن كثيرا من المواد تصل إليها بأضعاف أثمانها.

“خلال هذه الفترة حين تهطل الأمطار والثلوج، يصل سعر كيس الدقيق الذي يباع في السوق بـ100 درهم، إلى ما بين 400 و500 درهم (بين 40 و50 دولارا) في تلك الدواوير” يقول ألتو، أما قنينة الغاز الصغيرة، فيصل سعرها، حسب المتحدث، إلى 50 درهما (حوالي 5 دولارات)، بينما الكبيرة يتراوح سعرها بين 150 و200 درهم (بين 15 و20 دولارا).

دوار “توصف صدي” ما هو إلا نموذج لدواوير عديدة أخرى أبعد منه، الوصول إليها يتطلب سلك طرق وعرة بين الجبال، القاطنون فيها يعيشون في عزلة، ويفتقدون لأبسط ظروف العيش الكريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *