المغرب الكبير

تمور وبطاطا الجزائر رُفضت في الخارج.. وأزمة الأسواق تطرح الاستعانة بـ”الأقدام السوداء”

تلقت الصادرات الفلاحية الجزائرية ضربةً موجعة، مؤخراً، بعد منع دخولها إلى مجموعة من البلدان الأوروبية والأميركية والعربية، وهو ما أثر على عائدات الصادرات الفلاحية بالجزائر، التي لم تصل إلى الإحصائيات التي توقعها مهنيو القطاع.

وكشف رئيس الجمعية الوطنية للمصدِّرين الجزائريين علي باي ناصري، عن منع دخول التمور والبطاطا وعدد من المنتجات الفلاحية الجزائرية إلى كل من فرنسا وكندا وروسيا وقطر؛ بسبب عدم مطابقتها للمعايير، واحتوائها على مواد كيماوية وكذا انتشار الدود على مستوى التمور؛ وهو ما أدى بمسؤولِين فرنسيِّين إلى إتلافها وإحراقها، في حين فضَّلت روسيا إعادة إرسالها إلى الجزائر.

وقال ناصري لموقع “الشروق” الجزائري، الخميس 7 يونيو 2018، إن كمية المواد الفلاحية الجزائرية المصدَّرة خلال الأشهر الأربعة من السنة الجارية (2018)، بلغت 20 مليون دولار، وهو رقم منخفض مقارنة مع الإحصائيات التي كانت الجمعية تتوقعها، وهذا راجع إلى إعادة معظم المحاصيل المصدَّرة للخارج إلى الجزائر، حيث أعادت روسيا البطاطا المصدَّرة؛ بسبب احتوائها على كمية عالية من مبيدات البسيتيسيد.

وأكد ناصري: “الحال لا يختلف بالنسبة لقَطر، التي منعت البطاطا الجزائرية من دخول أسواقها؛ إثر إخضاعها لتحليل كشف احتوائها على مواد كيماوية غير صحية”، في حين فضَّلت فرنسا حرق كميات من البطاطا الجزائرية قبل 4 أشهر، بدل إعادتها للجزائر، وهذا بحجة أنها بطاطا فاسدة نتيجة احتوائها على نسبة عالية من الكيماويات، وفضَّلت كندا إعادة التمور الجزائرية، التي كانت كميات كبيرة منها تحتوي على الدود.

مشكل ضعف المعالجة الكيماوية

وأوضح رئيس جمعية المصدرين الجزائريين، أن المشكل الأساسي بالنسبة للجزائر في تصدير المواد الفلاحية هو ضعف المعالجة الكيماوية، حيث تتم المبالغة في استخدام 5 أنواع من الأسمدة والمبيدات الحشرية الممنوعة في الخارج، وهو ما يجعل هذه المواد غير قابلة لدخول السوق الأوروبية والأميركية وحتى أسواق دول عربية، تعتمد معايير عالية في استيراد الخضر والفواكه. وأوضح ناصري أنه سيتم تنظيم جلسات استماع على مستوى وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري يوم 12 يونيو 2018؛ للنظر في مشكلة إعادة المنتجات الفلاحية الجزائرية المصدَّرة لعدد من الدول، ومباحثة كيفية جعلها مطابقة للمعايير، مع العلم أن هذه الأخيرة أطعمت الخزينة 20 مليون دولار في ظرف 4 أشهر أو 120 يوماً من 2018، مقارنة مع 917 مليون دولار صادرات إجمالية خارج المحروقات.

تراجُع عائدات النفط والغاز أيضاً

كما تتجه الحكومة الجزائرية إلى مراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتؤكد أرقام الصادرات والواردات الصادرة عن الجمارك، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، أن الخزينة العمومية خسرت المزيد من الدولارات، بعد تقليص دول الاتحاد الأوروبي وارداتها من الجزائر من النفط والغاز بصفة خاصة والطاقة بصفة عامة.

ويؤكد متعاملون في قطاع التجارة الخارجية، أن الاتحاد الأوروبي لم يلتزم بما ينص عليه مضمون 110 بنود، حيث تتضمن الاتفاقية استثمار الأوروبيين في الجزائر وحرية تنقُّل البضائع ودعم انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية “أومسي”، وهي النقاط التي بقيت مجرد حبر على ورق ولم تر طريقها إلى النور.

ويرى رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، علي باي ناصري، أن الأوروبيين التزموا فقط بالشق التجاري في الاتفاقية؛ الأمر الذي يدفع الحكومة اليوم إلى إلزامية مراجعة مضمون ما تنص عليه، فإن قامت الجزائر اليوم بمنع استيراد 851 منتجاً، فالأوروبيون خالفوا 3 نقاط، ومن حق أي دولة -وفقاً لما تنص عليه المواد 11 و15 و16 من اتفاقية الشراكة- السعي إلى تعديلها، في حال رأت أن هذه الاتفاقية لا تخدم مصلحتها.

ويؤكد ناصري أن اتفاق الشراكة مع الأوروبيين كان ناجحاً سياسياً ودبلوماسياً بالنسبة إلى الجزائر، إلا أنه فشل اقتصادياً وتجارياً بشكل واضح للعيان، لا سيما خلال سنوات 2014 و2015 و2016 وصولاً إلى سنة 2017، حيث قلَّصت دول الاتحاد الأوروبي واردات الطاقة من نفط وغاز من الجزائر.

إشراك “الأقدام السوداء” في البحث عن أسواق جديدة 

“الأقدام السوداء” هي تسمية تطلق على المستوطنين الأوروبيين الذين سكنوا أو وُلدوا في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830-1962). أغلبيتهم تنحدر من أصول فرنسية أو إيطالية أو إسبانية أو مالطية، وحتى من أوروبا الشرقية.

وفجّر حديث الوزير الأول، أحمد أويحيى، عن إشراك “الأقدام السوداء” في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال دعوتهم إلى تعزيز دخول الصادرات الجزائرية إلى الأسواق الأوروبية والفرنسية على وجه التحديد، جدلاً واسعاً؛ بسبب العلاقة التاريخية المتوترة بين الجزائريين وهذه الفئة إبان الحقبة الاستعمارية.

وحسب وسائل إعلام جزائرية، فإن هذا التصريح يعتبر الأول من نوعه لمسؤول جزائري في مستوى وزير أول، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن ثبات موقف الجزائر من هذه الفئة، التي وقف الكثير من عناصرها ضد استقلال الجزائر؛ بل إن رموزها هم الذين أنشأوا ما يعرف بـ”منظمة الجيش السري” المعروفة لدى الجزائريين (OAS).

وعلى الرغم من أن “اتفاقيات إيفيان” التي اعترفت فرنسا بموجبها باستقلال الجزائر، نصت على أحقية “الأقدام السوداء” في البقاء بالجزائر بعد عام 1962، واحتفاظهم بالممتلكات التي استولوا عليها خلال الحقبة الاستعمارية- فإن غالبيتهم الساحقة “فرَّت من الجزائر، تحت ظروف شتى، في حين يبقى السبب الرئيس هو خوفهم من انتقام الجزائريين؛ بسبب ممارساتهم الوحشية وتعاونهم مع جيش الاحتلال قبل وفي أثناء الثورة التحريرية”.

ولا تزال “الأقدام السوداء” متمسكة بالعودة إلى الجزائر؛ بل إنهم يعتبرون ذلك حقاً طبيعياً وقانونياً، كما يطالبون باسترداد ما يزعمون أنها ممتلكاتهم التي تركوها بعد فرارهم وتركهم إياها بعد الاستقلال، عكس ما تنص عليه اتفاقيات إيفيان. وتبقى قضية المغني “أنريكو ماسياس” أبرز مثال على جدلية عودة “الأقدام السوداء”.

رفض شعبي للاستعانة بـ”الأقدام السوداء”

أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، في بيان وقَّعه باسم المنظمة، رفض المجاهدين والأسرة الثورية أي تطبيع مع الدولة الفرنسية دون اعتذار رسمي من السلطات الفرنسية، واستهجن التصريحات الأخيرة الداعية إلى التنسيق مع رجال الأعمال من “الأقدام السوداء”، وأكد: “لقد تجاهلتم بذلك ما قامت به هذه الفئة من جرائم خطيرة إبان الفترة الاستعمارية”.

وأعربت الأمانة الوطنية لمنظمة المجاهدين الجزائرية عن قلقها من بعض التصريحات، التي قالت إنها تمس بمبادئ وثوابت الأمة، واعتبرت أن بعض التصريحات لمسؤولين في مواقع قيادية عليا تسيء إلى تاريخ الثورة، خاصة فيما يتعلق بدعوة رجال أعمال جزائريين إلى التعامل مع “الأقدام السوداء”، متجاهلين ما قامت به من جرائم طيلة فترة الاحتلال.

واستنكرت الأمانة الوطنية لمنظمة المجاهدين تلك التصريحات التي وصفتها بسوء التقدير و”الاستخفاف بالتضحيات التي قدَّمها المخلصون من أبناء هذا الشعب”، مشددة على أن التركيز سيكون على معالجة ما لحق بالشعب الجزائري من أضرار مادية ومعنوية من طرف المعمر بالأمس، وهذا لا يتأتى إلا بصحوة وطنية أساسها قيم ومبادئ “ثورة نوفمبر المجيدة”، كما اعتبرت أن أي تطبيع للعلاقات وتحسينها بين الشعبين يظل مرهوناً باعتذار الدولة الفرنسية عن جرائمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *